حكم قراءة سورة العصر عند ختام المجلس ..
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد ..
اعتاد بعض الإخوة على ختم مجالسهم بقراءة سورة
العصر ، فقام اّخرون بالإنكار عليهم وتبديع هذا الفعل ، فأردتُ هنا أن أضع
بعض النقاط ؛ حتى نكون جميًا على بصيرة في هذا الأمر ، والله الموفق ..
1 – لم يثبت قراءة سورة العصر في ختام المجلس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا..
2 – لكن نقل ذلك أبو مدينة الدارمي رضي الله عنه – وقد أثبت له الطبراني رحمه الله صحبة – عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم :
فقد
روى أبو داود رحمه الله في الزهد ( ج1 ص440 الشاملة )و الطبراني رحمه الله
في الأوسط ( ج11 ص359 – الشاملة ) والبيهقي رحمه الله في شعب الإيمان (
ج19 ص59 الشاملة )(1 )من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي مدينة
الدارمي أنه قال :
(كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا حتى
يقرأ أحدهما على الآخر : ( و العصر إن الإنسان لفي خسر ) ، ثم يسلم أحدهما على الآخر )
وهذا الإسناد إسناد صحيح :
* قال الإمام الهيثمي رحمه الله عنه في مجمع الزوائد ( ج10 ص233 ) رواه الطبراني في الاوسط ورجاله رجال الصحيح.
وقال ( ج10 ص307 ) : (رواه الطبراني في الاوسط ورجاله رجال الصحيح غير ابن عائشة وهو ثقة )
* وصححه العلامة الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم 2648 ..
3 –
ذكر فضيلة الشيخ أبي عبد الله مصطفى العدوي حفظه الله في حاشية ص356 من
تفسير جزء عم في سلسلته المباركة التسهيل لتأويل التنزيل ( 2 ) أن في نفسه
من هذا الإسناد شيئًا ولم يذكر حفظه الله علة تفسر ذلك ..
4 – لذلك ذهب بعض العلماء إلى مشروعية قراءة سورة العصر في ختام المجلس اعتمادًا على هذا الأثر :
* قال العلامة الألباني رحمه الله في فوائد الحديث رقم 2648 في الصحيحة :
(و الأخرى : نستفيدها من
التزام الصحابة لها . و هي قراءة سورة العصر لأننا نعتقد أنهم أبعد الناس
عن أن يحدثوا في الدين عبادة يتقربون بها إلى الله ، إلا أن يكون ذلك بتوقيف من
رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا ، و لم لا و قد أثنى الله
تبارك و تعالى عليهم أحسن الثناء ، فقال : ( و السابقون الأولون من المهاجرين
و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم و رضوا عنه و أعد لهم جنات
تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) .
و قال ابن مسعود و الحسن البصري : " من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه
وسلم ، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا و أعمقها علما و أقلها تكلفا و أقومها
هديا و أحسنها حالا ، قوما اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم و إقامة
دينه ، فاعرفوا لهم فضلهم ، و اتبعوهم في آثارهم ، فإنهم كانوا على الهدي
المستقيم "
*وسئل العلامة الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله وبارك في عمره في شرحه لكتاب الدعوات من سنن الترمذي هذا السؤال :
يذكر البعض قراءة سورة العصر عند ختام المجلس فهل هذا يصح ؟
فأجاب حفظه الله قائلًا – أرجو أن أكون دقيقًا في تفريغي فالصوت لم يكن واضحًا وضوحًا كافيًا لدي 5
– ذهب بعض العلماء إلى عدم المواظبة على ذلك ، بل يُفعل أحيانًا ويُترك
أحيانًا أخرى ، فلو كان ذلك مواظَبًا عليه ، لعلمه الجميع ، ولذاع وانتشر
..
فقد اختلف الأصوليون هل لفظة ( كان ) تقتضي التكرار والاستمرار أم لا ؟؟
· فرأى فريق أنها تقتضيه ..
· ورأى فريق أنها لا تقتضيه ..
· وقال اّخرون إنها تقتضيه إلا إن دلت قرينة على خلاف ذلك . ( 3 )
ففي مسألتنا هذه على القول الأول يكون حجة عليهم ، و على القول الثاني فلا إشكال ، وعلى القول الثالث فإنهم سيقولون إن القرينة هي عدم انتشار ذلك بين العلماء على مر العصور ..
6 – بعض من يواظبون على قراءتها لا يعللون فعلتهم بهذا الأثر عن الصحابة ، وإنما يعللون ذلك بفضل قراءة القراّن عمومًا ونحو ذلك ، و لا شك في خطأ ذلك ، فالتحديد والتعيين إنما هو لصاحب الشرع المطهر ، وليس لاّراء البشر ..
7 –
قد يحكم بعض العلماء على هذا العمل بأنه بدعة ، وذلك لأن الأثر لم يبلغه ،
و لا يعيبه ذلك ، فلا يحيط بالاّثار كلها أحد مهما بلغ علمه!
الخلاصة :
1 – من واظب على قراءة سورة العصر عقب ختام المجلس فله دليله ..
2 – من لم ير ذلك إما لعدم ثبوت الأثر عنده أو لعلة أخرى يراها فله ذلك ، ولكن ليس له تبديع هذا العمل ، والإنكار على فاعليه ..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اّله وصحبه والتابعين ...
--------------
1 - رواه ابن عائشة وابن أبي بكير عن
حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي مدينة الدارمي ، وذكر البيهقي رحمه
الله في الشعب أن غيره = غير ابن أبي بكير رواه عن حماد عن ثابت عن عتبة
بن عبد الغافر ، وذكر العلامة الألباني رحمه الله أن الأول هو المحفوظ ..
2 –
سلسلة مباركة في تفسير القران العظيم لفضيلة الشيخ العدوي حفظه الله ، وهي
عبارة عن التفسير بطريقة السؤال والجواب تجمع بين القوة العلمية والسهولة
الأسلوبية ، وقد أتم الشيخ منها بعض الأجزاء ومتوفرة على المكتبة الوقفية
على الشبكة العنكبوتية ..
3 – انظر فتح الباري ج3 ص398 في تعليق الحافظ ابن حجر رحمه الله على الحديث رقم 1539..