قيل في الذكر والذاكرين
----------------------
قال النووي (1) : المراد من الذكر حضور القلب ، فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر ، فيحرص على تحصيله ، ويتدبر ما يذكر ، ويتعقل معناه . فالتدبر في الذكر مطلوب كما هو مطلوب في القراءة ، لاشتراكهما في المعنى المقصود .
وقال السعدي (2) : الصلاة والقراءة والذكر وغيرها من العبادات إذا كانت بقوة حضور قلب وإيمان كامل ، فلا ريب أن بينها وبين عبادة الغافل درجات تنقطع دونها أعناق المطي .
وقال (3) : وذِكر الله تعالى ، أفضله ما تواطأ عليه القلب واللسان وهو الذي يُثمر معرفة الله ومحبته وكثرة ثوابه .
وقال ابن القيم (4) : أفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان ، وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده ، لأن ذكر القلب يورث المعرفة ، ويهيّج المحبة ويثير الحياء ، ويبعث على المخافة ، ويدعو إلى المراقبة ، ويَزَعُ عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات ، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً من هذه الآثار ، وإن أثمر شيئاً منها فثمرة ضعيفة .
وقال (5) : إذا صار الذكر شعار القلب ، بحيث يكون هو الذاكر بطريق الأصالة ، واللسان تبع له ، فهذا هو الذكر الذي يسدُّ الخُلة ، ويفني الفاقة ، فيكون صاحبه غنياً بلا مال ، عزيزاً بلا عشيرة ، مهيباً بلا سلطان .
وقال سيد (6) : ذكر الله أن لم يرتعش له الوجدان ، وإن لم يخفق له القلب ، وإن لم تعش به النفس ، إن لم يكن مصحوباً بالتضرع ، والتذلل والخشية والخوف ، لن يكون ذكراً ، بل قد يكون سوء أدب في حق الله سبحانه ، إنما هو التوجه إلى الله بالتذلل والضراعة ، والخشية والتقوى ، إنما هو استحضار جلال الله وعظمته ، واستحضار المخافة لغضبه وعقابه ، واستحضار الرجاء فيه ، والالتجاء إليه .
وقال ابن الجوزي (7) : الذكر له شرطان : حضور القلب في تحريره ، وبذل الجهد في تكثيره . فإن أحببت أن تكون في الراسخين الأقدام في هذا المقام ، فحرر الذكر على الإحسان ، وكثّره بقدر الإمكان .
وقال ( : تأملت على أكثر الناس عباداتهم ، فإذا هي عادات . فأما أرباب اليقظة ، فعادتهم عبادة حقيقية ، فإن الغافل يقول : سبحان الله ، عادة . والمُتيقّظ لا يزال فكره في عجائب المخلوقات ، أو في عظمة الخالق ، فيحركه الفكر في ذلك فيقول : سبحان الله .
ولو أن إنساناً تفكّر في رمانة ، فنظر في تصفيف حبها ، وحفظه بالأغشية لئلا يتضاءل ، وإقامة الماء على عظم العجم ، وجعل الغشاء عليه يحفظه ، وتصوير الفرخ في بطن البيضة ، والآدمي في حشا الأم ، إلى غير ذلك من المخلوقات ، أزعجه هذا الفكر إلى تعظيم الخالق ، فقال : سبحان الله ، وكان هذا التسبيح ثمرة الفكر ، فهذا تسبيح المتيقظين .
وما تزال أفكارهم تجول فتقع عباداتهم بالتسبيحات محققة ، وكذلك يتفكرون في قبائح ذنوب قد تقدمت ، فيوجب ذلك الفكر قلق القلب ، وندم النفس ، فيثمر ذلك أن يقول قائلهم : أستغفر الله ، فهذا هو التسبيح والاستغفار .
فأمّا الغافلون ... فيقولون ذلك عادة ، وشتّان ما بين الفريقين .
وقال (9) : من الذاكرين من غلب على قلبه حبّه للمذكور فلا يزال في الذكر والتعبد . ومن الذاكرين من صار الذكر له إلفاً لا كلفة ، فما له همّ غيره ، فهو يذكر أبداً على جهة الحضور .
--------------------------------------------------------------
(1) الأذكار .
(2) تيسير اللطيف المنان.
(3) تيسير الكريم الرحمن .
(4) الوابل الصيب .
(5) نفس المصدر .
(6) في ضلال القرآن .
(7) التذكرة في الوعظ .
( صيد الخاطر .
(9) التبصرة .
نقلاً عن كتاب ( المشوّق لذكر الله – الشيخ "محمد شومان" الرملي .)
مع تحيات الجوكر
----------------------
قال النووي (1) : المراد من الذكر حضور القلب ، فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر ، فيحرص على تحصيله ، ويتدبر ما يذكر ، ويتعقل معناه . فالتدبر في الذكر مطلوب كما هو مطلوب في القراءة ، لاشتراكهما في المعنى المقصود .
وقال السعدي (2) : الصلاة والقراءة والذكر وغيرها من العبادات إذا كانت بقوة حضور قلب وإيمان كامل ، فلا ريب أن بينها وبين عبادة الغافل درجات تنقطع دونها أعناق المطي .
وقال (3) : وذِكر الله تعالى ، أفضله ما تواطأ عليه القلب واللسان وهو الذي يُثمر معرفة الله ومحبته وكثرة ثوابه .
وقال ابن القيم (4) : أفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان ، وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده ، لأن ذكر القلب يورث المعرفة ، ويهيّج المحبة ويثير الحياء ، ويبعث على المخافة ، ويدعو إلى المراقبة ، ويَزَعُ عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات ، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً من هذه الآثار ، وإن أثمر شيئاً منها فثمرة ضعيفة .
وقال (5) : إذا صار الذكر شعار القلب ، بحيث يكون هو الذاكر بطريق الأصالة ، واللسان تبع له ، فهذا هو الذكر الذي يسدُّ الخُلة ، ويفني الفاقة ، فيكون صاحبه غنياً بلا مال ، عزيزاً بلا عشيرة ، مهيباً بلا سلطان .
وقال سيد (6) : ذكر الله أن لم يرتعش له الوجدان ، وإن لم يخفق له القلب ، وإن لم تعش به النفس ، إن لم يكن مصحوباً بالتضرع ، والتذلل والخشية والخوف ، لن يكون ذكراً ، بل قد يكون سوء أدب في حق الله سبحانه ، إنما هو التوجه إلى الله بالتذلل والضراعة ، والخشية والتقوى ، إنما هو استحضار جلال الله وعظمته ، واستحضار المخافة لغضبه وعقابه ، واستحضار الرجاء فيه ، والالتجاء إليه .
وقال ابن الجوزي (7) : الذكر له شرطان : حضور القلب في تحريره ، وبذل الجهد في تكثيره . فإن أحببت أن تكون في الراسخين الأقدام في هذا المقام ، فحرر الذكر على الإحسان ، وكثّره بقدر الإمكان .
وقال ( : تأملت على أكثر الناس عباداتهم ، فإذا هي عادات . فأما أرباب اليقظة ، فعادتهم عبادة حقيقية ، فإن الغافل يقول : سبحان الله ، عادة . والمُتيقّظ لا يزال فكره في عجائب المخلوقات ، أو في عظمة الخالق ، فيحركه الفكر في ذلك فيقول : سبحان الله .
ولو أن إنساناً تفكّر في رمانة ، فنظر في تصفيف حبها ، وحفظه بالأغشية لئلا يتضاءل ، وإقامة الماء على عظم العجم ، وجعل الغشاء عليه يحفظه ، وتصوير الفرخ في بطن البيضة ، والآدمي في حشا الأم ، إلى غير ذلك من المخلوقات ، أزعجه هذا الفكر إلى تعظيم الخالق ، فقال : سبحان الله ، وكان هذا التسبيح ثمرة الفكر ، فهذا تسبيح المتيقظين .
وما تزال أفكارهم تجول فتقع عباداتهم بالتسبيحات محققة ، وكذلك يتفكرون في قبائح ذنوب قد تقدمت ، فيوجب ذلك الفكر قلق القلب ، وندم النفس ، فيثمر ذلك أن يقول قائلهم : أستغفر الله ، فهذا هو التسبيح والاستغفار .
فأمّا الغافلون ... فيقولون ذلك عادة ، وشتّان ما بين الفريقين .
وقال (9) : من الذاكرين من غلب على قلبه حبّه للمذكور فلا يزال في الذكر والتعبد . ومن الذاكرين من صار الذكر له إلفاً لا كلفة ، فما له همّ غيره ، فهو يذكر أبداً على جهة الحضور .
--------------------------------------------------------------
(1) الأذكار .
(2) تيسير اللطيف المنان.
(3) تيسير الكريم الرحمن .
(4) الوابل الصيب .
(5) نفس المصدر .
(6) في ضلال القرآن .
(7) التذكرة في الوعظ .
( صيد الخاطر .
(9) التبصرة .
نقلاً عن كتاب ( المشوّق لذكر الله – الشيخ "محمد شومان" الرملي .)
مع تحيات الجوكر