الشخصية ال (15)
حفصة بنت عمر بن الخطاب
نبذة عنها
أم المؤمنين
السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-
ولدت قبل المبعث بخمسة أعـوام، وتزوّجها النبـي -صلى اللـه عليه وسلم-
سنة ثلاث من الهجرة، بعد أن توفي زوجها المهاجر (خنيـس بن حذافـة السهمـي)
الذي توفي من آثار جراحة أصابته يوم أحـد، وكان من السابقين الى الإسـلام
هاجر الى الحبشـة وعاد الى المدينة وشهد بدراً وأحداً... فترمَّلت ولها عشرون سنة...
الزواج المبارك
تألم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لابنته الشابة كثيراً، ولألمها وعزلتها،
وبعد انقضاء عدّتها أخذ يفكر لها بزوج جديد، ولمّا مرت الأيام ولم يخطبها أحد
قام بعرضها على أبي بكر -رضي الله عنه- فلم يُجِبّه بشيء،
وعرضها على عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فقال: (بدا لي اليوم ألا أتزوج)
فوَجَد عليهما وانكسر، وشكا حاله إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال له:
(يتزوّج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوّج عثمان من هو خير من حفصة)
ومع أن عمر -رضي الله عنه- من الهمّ لم يفهم معنى كلام الرسـول الكريـم
إلا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- خطبها، ونال عمر شرف مصاهرة
النبي -صلى الله عليه وسلم- وزوَّج النبي عثمان بابنته (أم كلثوم) بعد وفاة أختها (زينب)
وبعد أن تمّ الزواج لقي أبو بكر عمر -رضي الله عنهما- فاعتذر له وقال:
(لا تجـدْ عليّ، فإن رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- كان قد ذكر حفصة،
فلم أكن لأفشي سِرّه، ولو تركها لتزوّجتها)
بيت الزوجية
ودخلت حفصة بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ثالثة الزوجات في بيوتاته
عليه الصلاة والسلام، بعد سودة وعائشة، أما سودة فرحّبت بها راضية،
وأمّا عائشة فحارت ماذا تصنع بابنة الفاروق عمر، وسكتت أمام هذا الزواج المفاجئ
الذي تقتطع فيه حفصة ثلث أيامها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ولكن هذه الغيرة تضاءلت مع قدوم زوجات أخريات، فلم يسعها إلا أن تصافيها الودّ
وتُسرّ حفصة لودّ ضرتها عائشة، وعندها حذّر عمر بن الخطاب ابنته من هذا الحلف الداخلي
ومن مسايرة حفصة لعائشة المدللة، فقال لها:
(يا حفصة، أين أنت من عائشة، وأين أبوكِ من أبيها؟)
الجرأة الأدبية
سمع عمر -رضي الله عنه- يوما من زوجته أن حفصة تراجع الرسول -
صلى الله عليه وسلم- بالكلام، فمضى إليها غاضباً، وزجرها قائلاً:
(تعلمين أني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله، يا بُنيّة !
لا يغرنّك هذه التي أعجبها حسنها وحبُّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- إياها
والله لقد علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لولا أنا لطلّقك)
ولكن على الرغم من تحذير أبيها لها، كانت تتمتع حفصة بجرأة أدبية كبيرة
فقد كانت كاتبة ذات فصاحة وبلاغة، ولعل هذا ما يجعلها تبدي رأيها ولو بين يدي
الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم-، فقد رويَ أن الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم-
قد ذكر عند حفصة أصحابه الذين بايعوه تحت الشجرة فقال:
(لا يدخل النار إن شاء الله أصحاب الشجـرة الذين بايعوا تحتها)
فقالت حفصـة: (بلى يا رسـول الله)
فانتهـرها، فقالت حفصـة الآية الكريمة
قال تعالى: {وإنْ منكم إلا واردُها كان على ربِّك حتماً مقضياً}
فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-... قال الله تعالى:
{ثم ننجي الذين اتقوا ونذرُ الظالمين فيها جثِيّاً}
الطـلاق
طلق الرسول -صلى الله عليه وسلم- حفصة طلقةً رجعية
وذلك لإفشائها سِرّاً استكتمها إيّاه، فلم تكتمه، وقصة ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم
خلا يوماً بمارية -رضي الله عنها- في بيت حفصة، فلمّا انصرفت مارية دخلت حفصة
حجرتها وقالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-:
(لقد رأيت من كان عندك، يا نبي الله لقد جئت إليّ شيئاً ما جئت إلى أحدٍ من أزواجك
في يومي، وفي دوري وفي فراشي) ثم استعبرت باكية.
فأخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- باسترضائها فقال:
(ألا ترضين أن أحرّمها فلا أقربها؟)
قالت: (بلى)... فحرّمها وقال لها: (لا تذكري ذلك لأحدٍ)... ورضيت حفصة بذلك
وسعدت ليلتها بقرب النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا أصبحت الغداةَ
لم تستطع على كتمان سرّها، فنبّأت به عائشة
فأنزل الله تعالى قوله الكريم مؤدِّباً لحفصة خاصة ولنساء النبي عامة
قال الله تعالى:
{وإذْ أسَرَّ النَّبِيُّ إلى بَعْضِ أزْوَاجه حَديثاً، فلمّا نَبّأتْ بِهِ وأظهَرَهُ اللّهُ عليه عَرَّفَ بعضَه
وأعْرَض عن بَعْضٍ فلمّا نَبّأهَا بِهِ قالت مَنْ أنْبَأكَ هَذا قال نَبّأنِي العَلِيمُ الخَبيرُ}
سورة التحريم آية (3)
فبلغ ذلك عمر فحثا التراب على رأسه وقال: (ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها)
فنزل جبريل -عليه السلام- من الغَدِ على النبي -صلى الله عليه وسلم-
فقال: (إن الله يأمرك أن تُراجِعَ حفصة رحمة بعمر)
وفي رواية أن جبريل قال:
(أرْجِع حفصة، فإنها صوّامة قوّامة، وإنها زوجتك في الجنة)
وارِثة المصحف
لقد عكِفَت أم المؤمنين حفصة على تلاوة المصحف وتدبُّره والتأمـل فيه
مما أثار انتباه أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- مما جعله يُوصي الى ابنته (حفصة)
بالمصحف الشريف الذي كُتِبَ في عهد أبي بكر الصدّيق بعد وفاة النبي -
صلى الله عليه وسلم-، وكتابته كانت على العرضة الأخيرة التي عارضها له جبريل
مرتين في شهر رمضان من عام وفاته -صلى الله عليه وسلم-
ولمّا أجمع الصحابة على أمر أمير المؤمنين عثمان بن عفان في جمع الناس
على مصحف إمامٍ ينسخون منه مصاحفهم، أرسل أمير المؤمنين
عثمان الى أم المؤمنين حفصة -رضي الله عنها-:
(أن أرسلي إلينا بالصُّحُفِ ننسخها في المصاحف)
فحفظت أم المؤمنين الوديعة الغالية بكل أمانة، وصانتها ورعتها...
وفاتها
وبقيت حفصة عاكفة على العبادة، صوّامة قوّامة إلى أن توفيت أول ما بويع معاوية
سنة إحدى وأربعين، وشيّعها أهل المدينة إلى مثواها الأخير
في البقيع مع أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن-
[/size]