ماذا أنت فاعل بعد موت والديك
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له، وأشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه، صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم.
إخوة الإيمان، عنوان خطبتي اليوم، عن الوصية والتواصي، الوصية بأمر كثير من الناس يغفلون عنه، لكن أسيادنا الأنبياء عليهم السلام والصالحون اهتموا به اهتمامًا كبيرًا، وهو: " ماذا سـيفعل أولادك من بعدك " ، يقول الله تعالى فـي القرءان الكريم : ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ سورة البقرة /132.
فتربية الأولاد من أهم الأمور وأوكدها ، فقد يكون الولد عونًا لأبيه لأمر الآخرة وقد يكون أولادك عدوًا لك أي يكونون سببًا في هلاكك ، فبعض الناس يلجأون إلى الحرام ويغرقون بالمعاصي بسبب أولادهم . يقول الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ التغابن/ 15و15.
وقد روى ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إنّ الوَلدَ مَبْخَلَة مَجْبَنَة".
"مبخلة" : أي يحمل والده على ترك الإنفاق في الطاعة خوف الفقر.
"مجبنة" أي يحمله على الجُبن عن الجهاد خشية ضيعَته أي يضيع الولد.
فاسعَ أخي أن يكون أولادك ممن تربوا كما يحب الله ويرضى.
لكن السؤال أربّيهم على ماذا؟ على طاعة الله، على العمل لما بعد الموت، على إرشادهم إلى ما فيه خيرٌ لدينهم ودنياهم، فإن قلب الولد مائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوّد الخير وعُلّمَه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكلُ معلم ومؤدّب له، وإن عُوّد الشرّ وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه.
فكلامنا اليوم إخوة الإيمان، للآباء والأبناء، للآباء أقول إذا مِتَّ أنت الآن فماذا سيفعل أولادك من بعدك؟! هل سيصيبهم ما يسمى الإحباط واليأس؟! هل سيتركون الدراسة في مدارسهم أو جامعتهم؟ نعم أقول مدارسهم، لأني لا أتكلم فقط عن الأولاد الذين بسن العشرين أو ما فوق ذلك بل أردتُ من هم بسن السابعة والثامنة والعاشرة ونحو ذلك. هل سيقطعون من كنت تصل؟ هل سيتركون الصلاة ونحوها من الفرائض مما كنت تتابعهم عليها؟ هل سيكونون قاطعين لأرحامهم تاركين برَّ أمّهم؟ هل سيغرقون في التنافس على الأموال التي تركت لهم لأنك لم تعوّدهم الزهد؟! هل سيقضون باقي العمر على التلفزيون والملاهي والإنترنت والستلايت ونحوها؟! أم ماذا هم فاعلون؟ ليكن عندك الجرأة بالتكلم مع أولادك بمثل هذه المواضيع الآن، نعم الآن قبل موتك، فإنك إن تكلمت أو لم تتكلم فلا بدَّ من الموت ، فالموت يقطع نعيم الدنيا، والموت منتظر في كل ساعة ووقت، لا بد من الفراق.
فإن من شأن الوالدين الذين فارقوا الدنيا أنهم ينتظرون ماذا سيأتيهم من قِبل أولادهم من الهدايا ، فإذا كان الولد عودته على الالتهاء بسفاسف الأمور وما لا خير فيه، فإذا مت كيف سيذكر والديه وقد غرق في هذه الغفلة الشنيعة، فيكون بهذا حرم والديه ما يشتاقون له، نعم يشتاقون له، فالميت المسلم في القبر يتشوق لإهداء ثواب قراءة القرءان له والاستغفار ونحو ذلك.
فإذًا أخي ازرع في أولادك هذا، وأنت أيها الولد اسأل والديك، واسأل أهل الخير ماذا أنا فاعل بعد والديّ مما ينفعني في ديني ودنياي وينفعهما في قبريهما؟ فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إذا مات ابن ءادم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له".
نعم أحبابنا " وولد صالح يدعو له "، لا كما حصل في إحدى مساجد بيروت منذ مدة قريبة، دخلت جنازة إلى المسجد، فلما سأل الإمام عن أهلها يستأذنهم ليقف عليها إمامًالم يجد أحداً من أهلها، فأعاد السؤال، مَن أهْلُهَا؟ فلم يرد أحد، فكرّر وقال من أهلُها يا أحبابنا؟ فاقترب رجل من الإمام وقال له أنا صديق أولادها، لكن انظر من النافذة فنظر فرأى أشخاصًا يقفون على الرصيف فسأل من هؤلاء فقال هؤلاء أولادها، ينتظرون خارجًا، أولادها خارج المسجد يقفون على الرصيف!!! فأين هؤلاء من بر الوالدين؟ أين هؤلاء من قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً﴾ الآية . سورة الأحقاف / 15 .
أين هؤلاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعظم الناس حقًا على الرجل أمه"؟
أين هؤلاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رضا الرب في رضا الوالد". أين هؤلاء مما علّم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن أخي المؤمن إن لم تتعب أنت على أولادك وتُربِّهِم التربية الصالحة، ليس فقط قد لا يصلون عليك بل وقد لا يمشون بجنازتك ولا يترحّمون عليك.
فماذا أنت فاعل ؟ هل ستترك تعليمهم؟ ماذا يفعلون بعد موتك؟ ماذا هم فاعلون داخل البيت؟ هل سيبقى اعتمادهم على أمهم بِكَيّ الثياب وترتيب أمورهم من طعام وشراب ونحو ذلك؟ علمهم، علم أولادك أن لا يؤثر عليهم موتك إلا عملاً للآخرة، إلا تراُحُمًا فيما بينهم، الكبير منهم يرحم الصغير، علّمهم أن يلتزموا مجالس العلم عند أهل الثقة والمعرفة، وأن يتركوا صحبة السوء التي كنت تحذرهم منها، فإنك إن فعلت هذا والتزموا بهذا انتفعت وانتفعوا معك، نعم عوّدهم الاستيقاظ باكرًا وتحضير الطعام بيدهم وتنظيف المنـزل بيدهم بأنفسهم وجلب الأغراض ونحو ذلك.
وأنت أيها الولد إن مات والداك اصبر فإن الصبر عند الصدمة الأولى، لا يعني لا تحزن ولا تبكي فإن مجرد البكاء والحزن ليس ممنوعًا في الشرع.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات ولده إبراهيم دخل عليه فبكى حين رءاه فقيل له حتى أنت يا رسول الله أي حتى أنت تبكي يا رسول الله فقال: "إن العين لتدمع والقلب ليحزن على فراقك يا إبراهيم لكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا ".
فإذا مات والداك اصبر، واترك الاعتراض والندب والنياحة وكل ما حرم الله، واجمع إخوتك للقيام بتجهيز والدك ثم الزم وصاياه بالخير واستغفر لوالديك، وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرًا، تصدَّق عن روحهما وزرهما في قبريهما، وضع العرق الأخضر فإنه طالما هو رطب يُسَبّح الله تعالى، فينتفع والداك بتسبيح العرق الأخضر، وصِلْ من كان من جهتهم ، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه إذا ولّى".
معنى هذا الحديث من أشدّ البر أن يصل الشخص من هم أصدقاء أبيه بعد موت أبيه.
إخوة الإيمان، نشئوا أولادكم على هذا، فإنك إن عوَّدتهم على تحمُّل المتاعب والشدائد يعينك هذا ويعينهم في حياتهم على ما ينفعهم لآخرتهم، فعلمهم هذا ولا يتذرع الواحد منا بالانشغال وكثرة الهموم والبلاء والمصائب لأن تربية الأولاد أحق بأن يفرغ لـها الوالدان الجهد والوقت المطلوب.
هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية :
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ القدير ، إخوة الإيمان أسألكم سؤالاً أريد من كل واحد منكم أن يجيب نفسه عليه وهو: إذا رأيت ولدك يقع في هاوية ماذا تفعل؟ هل تبقى ناظرًا إليه وهو يقع؟ أم تُبادر بكل ما أُوتيت من قوة وجهد لإنقاذه؟ جوابك سيكون أبذل جهدي لإنقاذ ولدي، هذا إن كنت حاضرًا عند وقوعه في الـهاوية، ولكن السؤال الثاني ماذا ترغب أن يحصل له لو لم تكن حاضرًا؟
فالجواب أقول لك لتحفظ أولادك من بعدك، اتق الله في نفسك وأولادك وعلّمهم ما ينفعهم في دينهم فإنه بصلاحك تُحفظ ذريتك بإذن الله فأوصهم بالخير الذي ذكرت، ليتدبروا أمورهم بعد موتك كما أن الواحد منا إذا أراد السفر يوصي أولاده بأمهم وبأمور البيت ويعلمهم كيفية التصرف بكذا وكذا أو إن كانوا هم مسافرين أم يريدون الذهاب لمخيم فإنك توصيهم بكذا وكذا مع العلم أن هذا السفر قد يتم وقد لا يتم وهذا المخيم قد يتم وقد لا يتم أما الموت فهو سيف مسلّط على رقابنا لا ندري متى ينـزل لكن لا بد من تمام الأنفاس ، فإن من شأن الصالحين وصية أبنائهم كما أخبرنا الله تعالى في القرءان الكريم عن سيدنا لقمان أنه وصى ولده : ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ سورة لقمان / 17- 18 .
ويقول عليه الصلاة والسلام : " إن الله يحفظ الرجل الصالح في ذريته ".
كما أمر سيدنا الخضر عليه السلام بإقامة ذلك الجدار الذي كان تحته كنـز ليتيمين تركه لهما والدهما الصالح، الذي كان يؤدي الأمانات والودائع إلى أهلها، فحفظهما الله بصلاح أبيهما، ولما كان الجدار مشرفًا على السقوط ولو سقط لضاع ذلك الكنـز، أراد الله إبقاءه على اليتيمين رعايةً لحق صلاحِ والدهما، فأمر الله تعالى سيدنا الخضر عليه السلام بإقامة ذلك الجدار ليحفظ الكنـز الذي سيكون من نصيب اليتيمين عندما يكبران.
اللهم احفظنا واحفظ ذريتنا وألهمنا وألهمهم الصلاح والرشاد وسددنا وعافنا يا أكرم الأكرمين يا الله .
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ اللّـهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.
عبادَ اللهِ ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم.
إخوة الإيمان، عنوان خطبتي اليوم، عن الوصية والتواصي، الوصية بأمر كثير من الناس يغفلون عنه، لكن أسيادنا الأنبياء عليهم السلام والصالحون اهتموا به اهتمامًا كبيرًا، وهو: " ماذا سـيفعل أولادك من بعدك " ، يقول الله تعالى فـي القرءان الكريم : ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ سورة البقرة /132.
فتربية الأولاد من أهم الأمور وأوكدها ، فقد يكون الولد عونًا لأبيه لأمر الآخرة وقد يكون أولادك عدوًا لك أي يكونون سببًا في هلاكك ، فبعض الناس يلجأون إلى الحرام ويغرقون بالمعاصي بسبب أولادهم . يقول الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ التغابن/ 15و15.
وقد روى ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إنّ الوَلدَ مَبْخَلَة مَجْبَنَة".
"مبخلة" : أي يحمل والده على ترك الإنفاق في الطاعة خوف الفقر.
"مجبنة" أي يحمله على الجُبن عن الجهاد خشية ضيعَته أي يضيع الولد.
فاسعَ أخي أن يكون أولادك ممن تربوا كما يحب الله ويرضى.
لكن السؤال أربّيهم على ماذا؟ على طاعة الله، على العمل لما بعد الموت، على إرشادهم إلى ما فيه خيرٌ لدينهم ودنياهم، فإن قلب الولد مائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوّد الخير وعُلّمَه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكلُ معلم ومؤدّب له، وإن عُوّد الشرّ وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه.
فكلامنا اليوم إخوة الإيمان، للآباء والأبناء، للآباء أقول إذا مِتَّ أنت الآن فماذا سيفعل أولادك من بعدك؟! هل سيصيبهم ما يسمى الإحباط واليأس؟! هل سيتركون الدراسة في مدارسهم أو جامعتهم؟ نعم أقول مدارسهم، لأني لا أتكلم فقط عن الأولاد الذين بسن العشرين أو ما فوق ذلك بل أردتُ من هم بسن السابعة والثامنة والعاشرة ونحو ذلك. هل سيقطعون من كنت تصل؟ هل سيتركون الصلاة ونحوها من الفرائض مما كنت تتابعهم عليها؟ هل سيكونون قاطعين لأرحامهم تاركين برَّ أمّهم؟ هل سيغرقون في التنافس على الأموال التي تركت لهم لأنك لم تعوّدهم الزهد؟! هل سيقضون باقي العمر على التلفزيون والملاهي والإنترنت والستلايت ونحوها؟! أم ماذا هم فاعلون؟ ليكن عندك الجرأة بالتكلم مع أولادك بمثل هذه المواضيع الآن، نعم الآن قبل موتك، فإنك إن تكلمت أو لم تتكلم فلا بدَّ من الموت ، فالموت يقطع نعيم الدنيا، والموت منتظر في كل ساعة ووقت، لا بد من الفراق.
فإن من شأن الوالدين الذين فارقوا الدنيا أنهم ينتظرون ماذا سيأتيهم من قِبل أولادهم من الهدايا ، فإذا كان الولد عودته على الالتهاء بسفاسف الأمور وما لا خير فيه، فإذا مت كيف سيذكر والديه وقد غرق في هذه الغفلة الشنيعة، فيكون بهذا حرم والديه ما يشتاقون له، نعم يشتاقون له، فالميت المسلم في القبر يتشوق لإهداء ثواب قراءة القرءان له والاستغفار ونحو ذلك.
فإذًا أخي ازرع في أولادك هذا، وأنت أيها الولد اسأل والديك، واسأل أهل الخير ماذا أنا فاعل بعد والديّ مما ينفعني في ديني ودنياي وينفعهما في قبريهما؟ فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إذا مات ابن ءادم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له".
نعم أحبابنا " وولد صالح يدعو له "، لا كما حصل في إحدى مساجد بيروت منذ مدة قريبة، دخلت جنازة إلى المسجد، فلما سأل الإمام عن أهلها يستأذنهم ليقف عليها إمامًالم يجد أحداً من أهلها، فأعاد السؤال، مَن أهْلُهَا؟ فلم يرد أحد، فكرّر وقال من أهلُها يا أحبابنا؟ فاقترب رجل من الإمام وقال له أنا صديق أولادها، لكن انظر من النافذة فنظر فرأى أشخاصًا يقفون على الرصيف فسأل من هؤلاء فقال هؤلاء أولادها، ينتظرون خارجًا، أولادها خارج المسجد يقفون على الرصيف!!! فأين هؤلاء من بر الوالدين؟ أين هؤلاء من قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً﴾ الآية . سورة الأحقاف / 15 .
أين هؤلاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعظم الناس حقًا على الرجل أمه"؟
أين هؤلاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رضا الرب في رضا الوالد". أين هؤلاء مما علّم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن أخي المؤمن إن لم تتعب أنت على أولادك وتُربِّهِم التربية الصالحة، ليس فقط قد لا يصلون عليك بل وقد لا يمشون بجنازتك ولا يترحّمون عليك.
فماذا أنت فاعل ؟ هل ستترك تعليمهم؟ ماذا يفعلون بعد موتك؟ ماذا هم فاعلون داخل البيت؟ هل سيبقى اعتمادهم على أمهم بِكَيّ الثياب وترتيب أمورهم من طعام وشراب ونحو ذلك؟ علمهم، علم أولادك أن لا يؤثر عليهم موتك إلا عملاً للآخرة، إلا تراُحُمًا فيما بينهم، الكبير منهم يرحم الصغير، علّمهم أن يلتزموا مجالس العلم عند أهل الثقة والمعرفة، وأن يتركوا صحبة السوء التي كنت تحذرهم منها، فإنك إن فعلت هذا والتزموا بهذا انتفعت وانتفعوا معك، نعم عوّدهم الاستيقاظ باكرًا وتحضير الطعام بيدهم وتنظيف المنـزل بيدهم بأنفسهم وجلب الأغراض ونحو ذلك.
وأنت أيها الولد إن مات والداك اصبر فإن الصبر عند الصدمة الأولى، لا يعني لا تحزن ولا تبكي فإن مجرد البكاء والحزن ليس ممنوعًا في الشرع.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات ولده إبراهيم دخل عليه فبكى حين رءاه فقيل له حتى أنت يا رسول الله أي حتى أنت تبكي يا رسول الله فقال: "إن العين لتدمع والقلب ليحزن على فراقك يا إبراهيم لكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا ".
فإذا مات والداك اصبر، واترك الاعتراض والندب والنياحة وكل ما حرم الله، واجمع إخوتك للقيام بتجهيز والدك ثم الزم وصاياه بالخير واستغفر لوالديك، وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرًا، تصدَّق عن روحهما وزرهما في قبريهما، وضع العرق الأخضر فإنه طالما هو رطب يُسَبّح الله تعالى، فينتفع والداك بتسبيح العرق الأخضر، وصِلْ من كان من جهتهم ، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه إذا ولّى".
معنى هذا الحديث من أشدّ البر أن يصل الشخص من هم أصدقاء أبيه بعد موت أبيه.
إخوة الإيمان، نشئوا أولادكم على هذا، فإنك إن عوَّدتهم على تحمُّل المتاعب والشدائد يعينك هذا ويعينهم في حياتهم على ما ينفعهم لآخرتهم، فعلمهم هذا ولا يتذرع الواحد منا بالانشغال وكثرة الهموم والبلاء والمصائب لأن تربية الأولاد أحق بأن يفرغ لـها الوالدان الجهد والوقت المطلوب.
هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية :
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ القدير ، إخوة الإيمان أسألكم سؤالاً أريد من كل واحد منكم أن يجيب نفسه عليه وهو: إذا رأيت ولدك يقع في هاوية ماذا تفعل؟ هل تبقى ناظرًا إليه وهو يقع؟ أم تُبادر بكل ما أُوتيت من قوة وجهد لإنقاذه؟ جوابك سيكون أبذل جهدي لإنقاذ ولدي، هذا إن كنت حاضرًا عند وقوعه في الـهاوية، ولكن السؤال الثاني ماذا ترغب أن يحصل له لو لم تكن حاضرًا؟
فالجواب أقول لك لتحفظ أولادك من بعدك، اتق الله في نفسك وأولادك وعلّمهم ما ينفعهم في دينهم فإنه بصلاحك تُحفظ ذريتك بإذن الله فأوصهم بالخير الذي ذكرت، ليتدبروا أمورهم بعد موتك كما أن الواحد منا إذا أراد السفر يوصي أولاده بأمهم وبأمور البيت ويعلمهم كيفية التصرف بكذا وكذا أو إن كانوا هم مسافرين أم يريدون الذهاب لمخيم فإنك توصيهم بكذا وكذا مع العلم أن هذا السفر قد يتم وقد لا يتم وهذا المخيم قد يتم وقد لا يتم أما الموت فهو سيف مسلّط على رقابنا لا ندري متى ينـزل لكن لا بد من تمام الأنفاس ، فإن من شأن الصالحين وصية أبنائهم كما أخبرنا الله تعالى في القرءان الكريم عن سيدنا لقمان أنه وصى ولده : ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ سورة لقمان / 17- 18 .
ويقول عليه الصلاة والسلام : " إن الله يحفظ الرجل الصالح في ذريته ".
كما أمر سيدنا الخضر عليه السلام بإقامة ذلك الجدار الذي كان تحته كنـز ليتيمين تركه لهما والدهما الصالح، الذي كان يؤدي الأمانات والودائع إلى أهلها، فحفظهما الله بصلاح أبيهما، ولما كان الجدار مشرفًا على السقوط ولو سقط لضاع ذلك الكنـز، أراد الله إبقاءه على اليتيمين رعايةً لحق صلاحِ والدهما، فأمر الله تعالى سيدنا الخضر عليه السلام بإقامة ذلك الجدار ليحفظ الكنـز الذي سيكون من نصيب اليتيمين عندما يكبران.
اللهم احفظنا واحفظ ذريتنا وألهمنا وألهمهم الصلاح والرشاد وسددنا وعافنا يا أكرم الأكرمين يا الله .
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ اللّـهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.
عبادَ اللهِ ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ