قصة الدولة الأيوبية
شكَّلت
الدولة الأيوبية مرحلة مهمة في التاريخ الإسلامي، واضطلعت بمهام عظيمة
وجسيمة في حياة الأمة؛ وكان أمراؤها على قدر المسئولية حينًا، وعلى غير
ذلك أحيانًا أخرى.
تبدأ
قصة الأيوبيين من خلال الدولة الزنكية التي نشئوا من خلالها، وعاشوا في
خدمتها يخدمون الإسلام حينًا، حتى قادتهم الأقدار إلى تولِّي قيادة الجهاد
الإسلامي ضد الصليبيين.
لقد
شكلت أحداث التاريخ الزنكي دولة إسلامية في مرحلة من أشد مراحل التاريخ
الإسلامي حرجًا, إذ تعرض فيها العالم الإسلامي في الشرق الأدنى لهجوم
أوروبي غربي عُرِفَ باسم الحروب الصليبية، في الوقت الذي كان فيه المسلمون
يمرون بحالٍ من التفكك, وأصبح من الواضح أنهم كانوا في أَمَسِّ الحاجة إلى
رجل قوي ينقذهم من حال الفرقة والانقسام, ويوحدهم تحت رايته, ويجمع
طاقاتهم قبل أن ينطلق بهم في خُطًا ثابتة نحو الجهاد.
وقد
اتصفت الحياة السياسية في الشرق الإسلامي قبل مجيء الصليبيين باضطراب
داخلي، شمل كافة الدولة والإمارات الإسلامية؛ ففي الشرق خضعت الخلافة
العباسية لسيطرة السلاجقة الذين تدهور نفوذهم بعد ذلك وتفككت دولتهم,
ودَبَّ النزاع بين أمرائهم حول الاستئثار بالنفوذ والسلطان.
وكانت
الدولة العُبَيْدِيّة (الفاطمية) في مصر تمر بمراحل شيخوختها؛ فينازع
أمراؤُها خلفاءَها, وتجاذبت القوتان السلجوقية والفاطمية بلاد الشام دون
أن تتمكن أي منها من تثبيت نفوذها، وسيطرتها عليها بصورة دائمة أو فعالة.
نتج
عن هذا الوضع المضطرب مناخ مناسب للأمراء المحليين في إقليم الجزيرة وبلاد
الشام, فاستقل كُلٌّ بما تحت يده يعالج مشكلاته وشئونه الخاصة, وخضع
للجانب الذي ارتبطت به مصلحته, وراح يعمل على توسيع أملاكه - إلى ما وراء
حدود إمارته - على حساب جيرانه الأمراء الآخرين في ظل ضعف الرابطة
السياسية بين هذه الكيانات؛ فتوزعت السلطة نتيجة ذلك بين عدد من الأمراء
الطامحين, وتركزت إماراتهم في الموصل, وأنطاكية, والرُّها, وحلب ودمشق,
وبيت المقدس وغيرها، فأضحى لكل واحدة من هذه الوحدات السياسية –
الاجتماعية, كيانها الخاص وذاتيتها المتميزة إلى حد كبير.
وصل
الصليبيون في ظل هذه الظروف القلقة إلى العالم الإسلامي, واندلعت نيران
الحروب الصليبية في الجزيرة وبلاد الشام, ونجحوا في تأسيس أربع إمارات
لاتينية في قلب العالم الإسلامي هي: الرُّها, وأنطاكية, وبيت المقدس,
وطرابلس, مستغلين تدهور نفوذ السلاجقة, وعجز الخلافة العباسية, والدولة
الفاطمية, وتَشَتُّت الإمارات الإسلامية.
عماد الدين زنكي.. القائد الصلب
أدرك
ما آلت إليه أوضاع العالم الإسلامي في الشرق من تشتت وتدهور, فأخذ على
عاتقه القيام بهذه المهمة، فأسس دولة له في الموصل وحلب, ثم رفع راية
الجهاد ضد الصليبيين لكنه اصطدم بحالة التمزق السياسي التي كانت سائدة في
المنطقة؛ فرأى ضرورة تجميع القوى الإسلامية، وحشد طاقاتها قبل القيام بأية
خطوة إيجابية لمواجهة العدوان الصليبي، فنهض يعمل على ضم هذه القوى
المشتتة.
وبعد
أن خطا خطوات واسعة في هذا السبيل ونجح في ضم شمالي بلاد الشام إلى إمارة
الموصل نهض ليتصدى للصليبيين, ونجح في تحقيق أهم إنجازاته التي بدأ بها
صفحة جديدة في ميزان القوى بين المسلمين والصليبيين في المنطقة, وهي
استعادته إمارة الرها من أيديهم. وكان لهذا النصر أهميته حيث أثبت قدرة
المسلمين على مجابهة الخطر الصليبي، بالإضافة إلى أنه أَمَّنَ حرية
الاتصال بين الموصل وحلب
نور الدين محمود..
قصة الأيوبيين من خلال الدولة الزنكية التي نشئوا من خلالها، وعاشوا في
خدمتها يخدمون الإسلام حينًا، حتى قادتهم الأقدار إلى تولِّي قيادة الجهاد
الإسلامي ضد الصليبيين.
لقد
شكلت أحداث التاريخ الزنكي دولة إسلامية في مرحلة من أشد مراحل التاريخ
الإسلامي حرجًا, إذ تعرض فيها العالم الإسلامي في الشرق الأدنى لهجوم
أوروبي غربي عُرِفَ باسم الحروب الصليبية، في الوقت الذي كان فيه المسلمون
يمرون بحالٍ من التفكك, وأصبح من الواضح أنهم كانوا في أَمَسِّ الحاجة إلى
رجل قوي ينقذهم من حال الفرقة والانقسام, ويوحدهم تحت رايته, ويجمع
طاقاتهم قبل أن ينطلق بهم في خُطًا ثابتة نحو الجهاد.
وقد
اتصفت الحياة السياسية في الشرق الإسلامي قبل مجيء الصليبيين باضطراب
داخلي، شمل كافة الدولة والإمارات الإسلامية؛ ففي الشرق خضعت الخلافة
العباسية لسيطرة السلاجقة الذين تدهور نفوذهم بعد ذلك وتفككت دولتهم,
ودَبَّ النزاع بين أمرائهم حول الاستئثار بالنفوذ والسلطان.
وكانت
الدولة العُبَيْدِيّة (الفاطمية) في مصر تمر بمراحل شيخوختها؛ فينازع
أمراؤُها خلفاءَها, وتجاذبت القوتان السلجوقية والفاطمية بلاد الشام دون
أن تتمكن أي منها من تثبيت نفوذها، وسيطرتها عليها بصورة دائمة أو فعالة.
نتج
عن هذا الوضع المضطرب مناخ مناسب للأمراء المحليين في إقليم الجزيرة وبلاد
الشام, فاستقل كُلٌّ بما تحت يده يعالج مشكلاته وشئونه الخاصة, وخضع
للجانب الذي ارتبطت به مصلحته, وراح يعمل على توسيع أملاكه - إلى ما وراء
حدود إمارته - على حساب جيرانه الأمراء الآخرين في ظل ضعف الرابطة
السياسية بين هذه الكيانات؛ فتوزعت السلطة نتيجة ذلك بين عدد من الأمراء
الطامحين, وتركزت إماراتهم في الموصل, وأنطاكية, والرُّها, وحلب ودمشق,
وبيت المقدس وغيرها، فأضحى لكل واحدة من هذه الوحدات السياسية –
الاجتماعية, كيانها الخاص وذاتيتها المتميزة إلى حد كبير.
وصل
الصليبيون في ظل هذه الظروف القلقة إلى العالم الإسلامي, واندلعت نيران
الحروب الصليبية في الجزيرة وبلاد الشام, ونجحوا في تأسيس أربع إمارات
لاتينية في قلب العالم الإسلامي هي: الرُّها, وأنطاكية, وبيت المقدس,
وطرابلس, مستغلين تدهور نفوذ السلاجقة, وعجز الخلافة العباسية, والدولة
الفاطمية, وتَشَتُّت الإمارات الإسلامية.
عماد الدين زنكي.. القائد الصلب
أدرك
ما آلت إليه أوضاع العالم الإسلامي في الشرق من تشتت وتدهور, فأخذ على
عاتقه القيام بهذه المهمة، فأسس دولة له في الموصل وحلب, ثم رفع راية
الجهاد ضد الصليبيين لكنه اصطدم بحالة التمزق السياسي التي كانت سائدة في
المنطقة؛ فرأى ضرورة تجميع القوى الإسلامية، وحشد طاقاتها قبل القيام بأية
خطوة إيجابية لمواجهة العدوان الصليبي، فنهض يعمل على ضم هذه القوى
المشتتة.
وبعد
أن خطا خطوات واسعة في هذا السبيل ونجح في ضم شمالي بلاد الشام إلى إمارة
الموصل نهض ليتصدى للصليبيين, ونجح في تحقيق أهم إنجازاته التي بدأ بها
صفحة جديدة في ميزان القوى بين المسلمين والصليبيين في المنطقة, وهي
استعادته إمارة الرها من أيديهم. وكان لهذا النصر أهميته حيث أثبت قدرة
المسلمين على مجابهة الخطر الصليبي، بالإضافة إلى أنه أَمَّنَ حرية
الاتصال بين الموصل وحلب
نور الدين محمود..
ثم
برز نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي كشخصية فذة؛ بدأ من حيث انتهى
والده, وبذل جهدًا مضنيًا في سبيل إثارة الأمة, وبَعْثِ رُوحِ الجهاد
والتضحية بين جميع أفرادها في مناطق الشرق الإسلامي, وقد ورث القسم الغربي
من الدولة الزنكية مع المشكلتين الكبيرتين اللتين واجهتهما, والمتمثلتين
في أتابكة دمشق الذين وقفوا حجر عثرة في وجه عماد الدين زنكي لتحقيق وحدة
المسلمين في بلاد الشام, بالإضافة إلى الإمارات الصليبية المنتشرة في هذه
البلاد.
وبعد
أن نجح نور الدين محمود في توحيد قسمي بلاد الشام الإسلامية: الشمالي
المتمثل بحلب, والجنوبي المتمثل بدمشق وسط هيمنة فعلية على الموصل, انطلق
يجاهد الصليبيين، ويتصدى لتوسعاتهم على حساب المسلمين, ولعل أهم إنجازاته
- إلى جانب تحقيق الوحدة الإسلامية, وجهاد الصليبيين - إسقاط الخلافة
الفاطمية في مصر, وإعادة هذا البلد إلى حظيرة الخلافة العباسية والمذهب
السني
وقد
خلف نور الدين محمود بعد وفاته في عام (569 هـ= 1174 م) ابنه الملك الصالح
إسماعيل الذي لم يكن على مستوى الأحداث بفعل صغر سنه, وافتقاره إلى الخبرة
والتجربة.
وبرز
من جهة أخرى صلاح الدين الأيوبي كَوَارِثٍ طبيعيٍّ، استطاع أن يملأ الفراغ
القيادي الذي ظهر بعد وفاة نور الدين محمود, وبوفاة الملك الصالح إسماعيل
عام (577 هـ= 1181 م) زال هذا القسم من الدولة الزنكية, ودخل في حُكْمِ
صلاح الدين بعد صراع دامٍ مع دولة الموصل.
أصل الأيوبيين
أمّا عن أصول صلاح الدين الأيوبي، فإنَّ الأيوبيين ينتسبون إلى أيوب بن شادي من بلدة (دوين)
الواقعة عند آخر حدود أذربيجان بالقرب من تفليس في أرمينية, وجميع أهل ذلك
البلد من الأكراد. غير أن بعض الأيوبيين حاول أن يبتعد عن الأصل الكردي,
وأن يلتصق بالدم العربي بعامة, وبنسل بني أمية بخاصة, وأنكروا نسبتهم إلى
الأكراد, وقالوا: "إنما نحن عرب؛ نزلنا عند الأكراد, وتزوجنا منهم
لكن صلاح الدين أنكر هذا النسب العربي, وقال: "ليس لهذا الأصل أصلٌ"[3]ادعاء.. ولم يكن العادل الأيوبي أقل إنكارًا من أخيه صلاح الدين لهذا ال
ثم
انتقلت الأسرة من (دوين) في بداية القرن السادس الهجري= الثاني عشر
الميلادي, حين غادر شادي مع ابنيه: نجم الدين أيوب وأسد الدين شيركوه
المنطقة إلى تكريت؛ حيث عينه شحنتها مجاهد الدين بَهْرُوز حاكمًا عليها؛
نظرًا لصلات الصداقة التي تربطهما, ولمَّا تُوُفِّيَ خلفه ابنه نجم الدين
أيوب
صلاح الدين يتولى وزارة مصر
بعد
وفاة نور الدين محمود, اضطربت الأوضاع في بلاد الشام بفعل الخلافات بين
الأمراء؛ فاستغل الصليبيون ذلك, وهاجموا الأراضي الإسلامية؛ مما استدعى
تدخل صلاح الدين, وحتى يعطي تدخله مبررًا شرعيًّا, ويحافظ على ما سوف
يحققه من إنجازات, كتب إلى الخليفة العباسي, يصور له أوضاع بلاد الشام
السياسية المضطربة, وتَوَثُّبَ الصليبيين عندما هاجموا الإسكندرية, وأوضح
له سبب ضم اليمن, بأنه لضرب المهدي المبتدع, وأعقب كل ذلك برجائه من
الخليفة أن يُنْعِمَ عليه بتقليد جامع لمصر والمغرب واليمن والشام, وكل ما
تشتمل عليه ولاية نور الدين محمود, وكل ما يفتحه اللهُ للدولة على يديه؛
فاستجاب الخليفة لمطالبه.
وعلى
الرغم مما توافر له من القوة التي فاقت قوة نور الدين محمود، كان صلاح
الدين بحاجة إلى مساندة الخلافة في صراعه مع الأمراء المسلمين المناوئين,
وبخاصة الزنكيين؛ لذلك كان يُطْلِعَ الخلافة على تحركاته ومنجزاته ليكسب
تأييدها, وحتى لا يُتَّهَم بأنه يقاتل من أجل مطامع شخصية؛ فيخسر مساندة
الخلافة له, ولكي لا يُتَّهَمَ بقتال المسلمين, وترك قتال الصليبيين.
ولكن
في عهد الخليفة أبي العباس أحمد بن المستضيء شعر هذا بالقلق من تحركات
صلاح الدين، وخشي أن يمتد نفوذه حتى عاصمة الخلافة؛ لذا اكتفى بتأييده
ظاهريًّا، وبمساعدات قليلة حتى لا يزيده قوة
عندما
استقر صلاح الدين في منصب الوزارة في مصر أعد نفسه لإحداث تغيير جذري
وشامل داخل مصر في كافة المجالات, وكانت مهمته هي التصدي للمشكلات التي
أثارها مركزه، فرغم أن التناقض الظاهر من وجود وزير سني لدى خليفة فاطمي
لم يكن بالوضع الجديد؛ لأنه طيلة قرن تقريبًا كان هناك وزراء سنيون على
مراحل متقطعة في مصر, لكن حركة الجهاد الإسلامي التي قادها نور الدين
محمود تحت راية دولة الخلافة العباسية, بالإضافة إلى قيام وحدة فَعَّالة
بين بلاد الشام ومصر تقف في وجه الصليبيين، حَتَّمت على نور الدين محمود
وبالتالي صلاح الدين الالتزام بإعادة مصر إلى حظيرة الولاء للعباسيين,
ولكن الضرورة دعته إلى تمهيد السبيل أمام التغيير رغم إلحاح نور الدين
محمود وعتاب الخليفة العباسي؛ لأنه أدرك أن التغيير السريع لا بد أن يولد
ردَّ فعلٍ فوري معاكس لا يمكن تدارك نتائجه
وضَمِنَت
الخطوات التمهيدية العسكرية والاقتصادية والدينية التي نفذها إحكام قبضته
على البلاد. ومع نهاية عام 566 هـ= 1171م وضحت أهداف صلاح الدين بحكم
عقيدته السنية في إسقاط الدولة الفاطمية في مصر, وإقامة الخطبة للعباسيين.
أهداف صلاح الدين الإصلاحية
لم
تكد تمضي أيامٌ على قطع الخطبة للفاطميين حتى توفي العاضد آخر الحكام
الفاطميين, ليلة (العاشر من المحرم = 13 من أيلول)؛ فأمر صلاح الدين
بإرسال الكتب إلى البلاد بوفاته, وإقامة الخطبة رسميًّا للخليفة العباسي
المستضيء بأمر الله, وبذلك يكون صلاح الدين قد وضع نهاية للدولة الفاطمية
في مصر، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخها عادت فيها هذه البلاد إلى العالم
الإسلامي السُّني؛ لتؤدي تحت قيادة الأيوبيين دورًا مهمًّا في توحيد
الجبهة الإسلامية ومواجهة الصليبيين، كما قام صلاح الدين بجهود كبيرة في
إصلاح الأحوال الاجتماعية في مصر؛ فاهتم ببناء المنشآت كالمستشفيات،
وإصلاح المرافق والطرق، والإنفاق على المرضى والمحتاجين، كما عمل على
توفير الحماية لمصر من خلال بناء قلعة صلاح الدين، لصد الهجمات الآتية من
قِبَل الصحراء.
ورغم ذلك رأى صلاح الدين أنه بحاجة إلى عمل خارجي لتحقيق ثلاثة أهداف:
الأول: توسيع رقعة الدولة الإسلامية.
الثاني: تحصين إنجازاته التي حققها في مصر.
الثالث: تأمين حدود بلاده حتى لا يؤخذ على غِرَّة.
وأسفرت جهوده عن ضم المغرب الأدنى وبلاد النوبة واليمن
أمَّا
في الشام فقد أثارت وفاة نور الدين محمود مشكلة تقسيم دولته الواسعة بين
ورثته؛ مما هدد الوحدة الإسلامية، وكادت هذه المشكلة أن تعود بالمسلمين
إلى حالة التمزق والانقسام التي كانوا عليها قبل أن يبدأ عماد الدين زنكي
جهوده لوضع قاعدة صلبة لتوحيد الجبهة الإسلامية والتصدي للصليبيين، ولم
يكن بين رجال الأسرة الزنكية من يصلح أن يكون خلفًا لنور الدين محمود الذي
لم يترك سوى ابنٍ طفلٍ في الحادية عشرة من عمره اسمه إسماعيل, وابنة
صغيرة, وزوجة هي عصمة الدين خاتون.
اتفق
الأمراء في دمشق بعد مناقشات مستفيضة على تنصيب الصالح إسماعيل ملكًا
خَلَفًَا لوالده, وعيَّنوا شمس الدين محمد بن عبد الملك, المعروف بابن
المقدم قائدًا للجيش, وأتابكًا له, وكتبوا إلى ولاة الأطراف بإقامة
الخُطبة باسمه, وبخاصة صلاح الدين في مصر.
الاستعداد لمواجهة الصليبين
ثم
أخذ صلاح الدين ينفذ سياسته, في إعادة بناء الجبهة الإسلامية المتحدة بحيث
تمتد من شمالي العراق إلى بلاد الشام فمصر؛ ليتمكن - بعد ذلك - من البدء
في حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين, والمسلمون أشد ما يكونون قوةً
وتماسكًا, ثم تابع تقدمه باتجاه الشمال؛ وجرت مفاوضات مع أمراء الزنكيين
أسفرت عن أن يكون لصلاح الدين ما بيده من بلاد الشام, وللحلفاء الزنكيين
ما بأيديهم, وأن تُضافَ إلى أملاكه بعض الأراضي الواقعة شمالي (حَمَاة)
مثل: المَعَرَّة, وكفرطاب, وبعد توقيع الاتفاق رحل صلاح الدين عن حلب.
قام
صلاح الدين بعد ذلك بضم حلب وآمد وسنجار وغيرها من المدن والحصون؛ في
سبيله لإتمام الوحدة التي يستطيع بها مواجهة الصليبيين، وتحرير بيت المقدس.
في
ذات الوقت كانت هناك محاولتان للتخلص من صلاح الدين قام بها طائفة
الحشيشية بالتعاون مع الصليبيين؛ رغبةً من الحشيشية في الانتقام منه
لإسقاطه الدولة العبيدية المنحرفة التي يدينون بدينها، وخوفًا – في نفس
الوقت - من الصليبيين من أن يُتم صلاح الدين وحدة مصر والشام، ثم يفرغ
لمواجهتهم
القبض على صليب الصلبوت
وظل
فرسان الداوية والإسبتارية يقاتلون, في الوقت الذي فقدوا فيه الأمل بأي
انتصار؛ فأمر صلاحُ الدينِ ابن أخيه تقي الدين عمر أن يهجم مع خيَّالته
على الصليبيين الذين تضعضعت صفوفهم, واختل نظام جيشهم, وأشعل المسلمون
خلال ذلك النيران في الأعشاب الجافة والأشواك؛ فحملت الريح لهيبها ودخانها
باتجاه الصليبيين؛ فزادت من معاناتهم, واجتمع عليهم العطش, وحر الزمان,
والنار والدخان والسيوف, وأدى ذلك إلى فرار من بقي منهم من ساحة المعركة
إلى إحدى قرون حطين حيث شاهدوا تقي الدين عمر يقبض على صليب الصلبوت؛
فأُسْقِطَ في أيديهم, وكانت تلك أكبر خسارة تكبدوها.
وتجمع
بعض الفرسان حول خيمة الملك لشن هجوم مضاد, لكن صلاح الدين عاجلهم؛ فاندفع
المسلمون الذين صعدوا إلى التلة التي نُصِبَتْ فيها الخيمة وأنهوا
المعركة, وأسروا كل من كان حول الملك وفيهم الملك نفسه وأخوه, ورينولد
شاتيون صاحب الكَرَك, وجماعة من الداوية والإسبتارية, وكَثَُرَ القتلُ
والأسرُ فيهم
الطريق إلى بيت المقدس
وأضحى
الموقف العسكري شديد الخطورة على مملكة بيت المقدس, وإمارتي طرابلس
وأنطاكية؛ إذ لم يبقَ أمامه - بعد أن دمر أعداءه - إلا أن يفتح حصون الأرض
المقدسة, وبخاصة أنه نتج عن خسارة الصليبيين, الذين ألقوا بكل ثقلهم في
معركة حطين, أن وقع عدد كبير من أمرائهم وقوادهم وفرسانهم في الأسر, وعلى
رأسهم الملك جاي لوزينان, حتى لم يبق لديهم من يصلح للقيادة. يُضَافُ إلى
ذلك أن الغرب الأوروبي لم ينتبه إلى الخطر قبل عام (583 هـ= 1187م)؛ ولذا
فإن احتمال مجيء حملة صليبية سوف يستغرق زمنًا؛ لذلك شرع صلاح الدين يفتح
المدن والحصون الصليبية واحدة بعد أخرى, فتحًا سريعًا ومتواصلاً,
مُرَكِّزًا ضرباته المباشرة على الموانئ المهمة.
والواقعلم
تكد تمضي أيامٌ على قطع الخطبة للفاطميين حتى توفي العاضد آخر الحكام
الفاطميين, ليلة (العاشر من المحرم = 13 من أيلول)؛ فأمر صلاح الدين
بإرسال الكتب إلى البلاد بوفاته, وإقامة الخطبة رسميًّا للخليفة العباسي
المستضيء بأمر الله, وبذلك يكون صلاح الدين قد وضع نهاية للدولة الفاطمية
في مصر، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخها عادت فيها هذه البلاد إلى العالم
الإسلامي السُّني؛ لتؤدي تحت قيادة الأيوبيين دورًا مهمًّا في توحيد
الجبهة الإسلامية ومواجهة الصليبيين، كما قام صلاح الدين بجهود كبيرة في
إصلاح الأحوال الاجتماعية في مصر؛ فاهتم ببناء المنشآت كالمستشفيات،
وإصلاح المرافق والطرق، والإنفاق على المرضى والمحتاجين، كما عمل على
توفير الحماية لمصر من خلال بناء قلعة صلاح الدين، لصد الهجمات الآتية من
قِبَل الصحراء.
ورغم ذلك رأى صلاح الدين أنه بحاجة إلى عمل خارجي لتحقيق ثلاثة أهداف:
الأول: توسيع رقعة الدولة الإسلامية.
الثاني: تحصين إنجازاته التي حققها في مصر.
الثالث: تأمين حدود بلاده حتى لا يؤخذ على غِرَّة.
وأسفرت جهوده عن ضم المغرب الأدنى وبلاد النوبة واليمن
أمَّا
في الشام فقد أثارت وفاة نور الدين محمود مشكلة تقسيم دولته الواسعة بين
ورثته؛ مما هدد الوحدة الإسلامية، وكادت هذه المشكلة أن تعود بالمسلمين
إلى حالة التمزق والانقسام التي كانوا عليها قبل أن يبدأ عماد الدين زنكي
جهوده لوضع قاعدة صلبة لتوحيد الجبهة الإسلامية والتصدي للصليبيين، ولم
يكن بين رجال الأسرة الزنكية من يصلح أن يكون خلفًا لنور الدين محمود الذي
لم يترك سوى ابنٍ طفلٍ في الحادية عشرة من عمره اسمه إسماعيل, وابنة
صغيرة, وزوجة هي عصمة الدين خاتون.
اتفق
الأمراء في دمشق بعد مناقشات مستفيضة على تنصيب الصالح إسماعيل ملكًا
خَلَفًَا لوالده, وعيَّنوا شمس الدين محمد بن عبد الملك, المعروف بابن
المقدم قائدًا للجيش, وأتابكًا له, وكتبوا إلى ولاة الأطراف بإقامة
الخُطبة باسمه, وبخاصة صلاح الدين في مصر.
الاستعداد لمواجهة الصليبين
ثم
أخذ صلاح الدين ينفذ سياسته, في إعادة بناء الجبهة الإسلامية المتحدة بحيث
تمتد من شمالي العراق إلى بلاد الشام فمصر؛ ليتمكن - بعد ذلك - من البدء
في حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين, والمسلمون أشد ما يكونون قوةً
وتماسكًا, ثم تابع تقدمه باتجاه الشمال؛ وجرت مفاوضات مع أمراء الزنكيين
أسفرت عن أن يكون لصلاح الدين ما بيده من بلاد الشام, وللحلفاء الزنكيين
ما بأيديهم, وأن تُضافَ إلى أملاكه بعض الأراضي الواقعة شمالي (حَمَاة)
مثل: المَعَرَّة, وكفرطاب, وبعد توقيع الاتفاق رحل صلاح الدين عن حلب.
قام
صلاح الدين بعد ذلك بضم حلب وآمد وسنجار وغيرها من المدن والحصون؛ في
سبيله لإتمام الوحدة التي يستطيع بها مواجهة الصليبيين، وتحرير بيت المقدس.
في
ذات الوقت كانت هناك محاولتان للتخلص من صلاح الدين قام بها طائفة
الحشيشية بالتعاون مع الصليبيين؛ رغبةً من الحشيشية في الانتقام منه
لإسقاطه الدولة العبيدية المنحرفة التي يدينون بدينها، وخوفًا – في نفس
الوقت - من الصليبيين من أن يُتم صلاح الدين وحدة مصر والشام، ثم يفرغ
لمواجهتهم
القبض على صليب الصلبوت
وظل
فرسان الداوية والإسبتارية يقاتلون, في الوقت الذي فقدوا فيه الأمل بأي
انتصار؛ فأمر صلاحُ الدينِ ابن أخيه تقي الدين عمر أن يهجم مع خيَّالته
على الصليبيين الذين تضعضعت صفوفهم, واختل نظام جيشهم, وأشعل المسلمون
خلال ذلك النيران في الأعشاب الجافة والأشواك؛ فحملت الريح لهيبها ودخانها
باتجاه الصليبيين؛ فزادت من معاناتهم, واجتمع عليهم العطش, وحر الزمان,
والنار والدخان والسيوف, وأدى ذلك إلى فرار من بقي منهم من ساحة المعركة
إلى إحدى قرون حطين حيث شاهدوا تقي الدين عمر يقبض على صليب الصلبوت؛
فأُسْقِطَ في أيديهم, وكانت تلك أكبر خسارة تكبدوها.
وتجمع
بعض الفرسان حول خيمة الملك لشن هجوم مضاد, لكن صلاح الدين عاجلهم؛ فاندفع
المسلمون الذين صعدوا إلى التلة التي نُصِبَتْ فيها الخيمة وأنهوا
المعركة, وأسروا كل من كان حول الملك وفيهم الملك نفسه وأخوه, ورينولد
شاتيون صاحب الكَرَك, وجماعة من الداوية والإسبتارية, وكَثَُرَ القتلُ
والأسرُ فيهم
الطريق إلى بيت المقدس
وأضحى
الموقف العسكري شديد الخطورة على مملكة بيت المقدس, وإمارتي طرابلس
وأنطاكية؛ إذ لم يبقَ أمامه - بعد أن دمر أعداءه - إلا أن يفتح حصون الأرض
المقدسة, وبخاصة أنه نتج عن خسارة الصليبيين, الذين ألقوا بكل ثقلهم في
معركة حطين, أن وقع عدد كبير من أمرائهم وقوادهم وفرسانهم في الأسر, وعلى
رأسهم الملك جاي لوزينان, حتى لم يبق لديهم من يصلح للقيادة. يُضَافُ إلى
ذلك أن الغرب الأوروبي لم ينتبه إلى الخطر قبل عام (583 هـ= 1187م)؛ ولذا
فإن احتمال مجيء حملة صليبية سوف يستغرق زمنًا؛ لذلك شرع صلاح الدين يفتح
المدن والحصون الصليبية واحدة بعد أخرى, فتحًا سريعًا ومتواصلاً,
مُرَكِّزًا ضرباته المباشرة على الموانئ المهمة.
أن عملية الفتح لم تكن حربًا بالمعنى العسكري المفهوم للكلمة, بل أشبه
بنزهة عسكرية؛ إذ كانت المقاومة ضعيفة, مما سَهَّل للمسلمين الانتشار
والتقدم, فكانت المدينة أو القلعة تسارع إلى الاستسلام لمجرد وصول
المسلمين إليها, وذلك لعدم وجود قوة تدافع عنها, وإذا قاومت فإن مقاومتها
تبدو ضئيلة. وقد قام صلاح الدين في هذا الوقت بفتح قلعة طبرية، وفتح عكا،
ومدن الجليل، والمدن الساحلية[4].
والواقع أنه لم ينقضِ شهر جُمَادَى الآخرة حتى لم يَبْقَ للنصارى جنوبي
طرابلس سوى صور وعسقلان وغزة, وبضع قلاعٍ معزولة، بالإضافة إلى بيت المقدس.
ويبدو
أن صلاح الدين تخلى عن حذره هذه المرة أيضًا, حين منح الصليبيين - بعد أن
فتح المدن والحصون المشار إليها - حرية البقاء فيها أو الخروج منها، فذهب
معظمهم إلى صور؛ ذلك أنه سرعان ما أدرك أن أمر هذه المدينة غدا صعبًا
فتركها, وآثر الانصراف إلى غيرها؛ فقام بفتح عسقلان.[/center]
عدل سابقا من قبل Mnshahawy في السبت مايو 01, 2010 4:27 pm عدل 1 مرات