الشخصية ال (24)
صفية بنت حيي بن أخطب
أم المؤمنين
هي صفيـة بنت حُيَيِّ بن أخطب بن سعيد
من ذرية نبي الله هارون عليه السلام من سبط اللاوي بن يعقوب - نبي الله
إسرائيل- بن إسحاق بن إبراهيم عليه السـلام
ولِدَت - رضي اللـه عنها- بعد البعثة بثلاثة أعوام، وكانت شريفـة عاقلة
ذات حسبٍ وجمالٍ، ودين وتقوى، وذات حِلْم ووقار
فتح خيبر
لمّا انتهت السنة السادسة للهجرة، وأقبل هلال المحرم من أول السنة السابعة
تهيأ الرسول - صلى الله عليه وسلم- لمعركة حاسمة تقطع دابر المكر اليهودي
من أرض الحجاز، فخرج - صلى الله عليه وسلم-
مع ألف وأربعمائة مقاتل في النصف الثاني من المحرّم الى خيبر (معقل اليهود)
وسار يفتح حصون خيبر ومعاقلها واحداً إثر واحد
حتى أتى القموص (حصن بني أبي الحُقين) ففتحه
وجيء بسبايا الحصن ومنهنّ صفية ومعها ابنة عمّ لها
جاء بهما بلال - رضي الله عنه-، فمرّ بهما على قتلى يهود الحصن
فلما رأتهم المرأة التي مع صفية صكّت وجْهها وصاحت، وحثت التراب على وجهها
فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم-: (أغربوا هذه الشيطانة عني)
وصفية ثابتة الجأش رزينة.
فأمر بصفية فجُعِلت خلفه، وغطى عليها ثوبه، فعرف الناس أنه اصطفاها لنفسه
وقال لبلال: (أنُزِعَت الرحمة من قلبك حين تَمُرُّ بالمرأتين على قتلاهما؟)
رؤيا البشارة
وقبل ذلك كانت صفيـة قد رأت أن الشمس نزلت حتى وقعت على صدرها
فذكرت ذلك لأمهـا فلطمت وجهها وقالـت:
(إنّك لتمدّين عُنُقك إلى أن تكوني عند مَلِك العرب)
فلم يزل الأثر في وجهها حتى أُتيَ بها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم-
فلمّا سألها عنه أخبرته، فكبرت في نفسه حين سمع منها هذه البشارة التي زفُها
الله تعالى إليها في هذه الرؤيا الصالحة
وواسى آلامها وخفّف من مُصابَها، وأعلمها بأن الله تعالى قد حقق رؤياها...
وقد قال لها الرسول - صلى الله عليه وسلم-: (هلْ لك فيّ؟) يرغّبها بالزواج منه
فأجابت: (يا رسول الله، قد كنتُ أتمنى ذلك في الشرك، فكيف إذا أمكنني الله منه في الإسلام)
فأعتقها - صلى الله عليه وسلم- وتزوجها، وكان عتقُها صداقُها
الزواج المبارك
ولما أعرس الرسول - صلى الله عليه وسلم- بصفية، بخيبر أو ببعض الطريق
وكانت التي جمّلتها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم-
ومشّطتها وأصلحت من أمرها، أم سليم بنت مِلحان أم أنس بن مالك
فبات بها الرسول - صلى الله عليه وسلم- في قبة له
وبات أبو أيوب خالد بن زيد متوشحاً سيفه يحرس رسول الله - صلى الله عليه
وسلم- ويطيف بالقبة حتى أصبح رسول الله.
فلما رأى مكانه قال: (مالك يا أبا أيوب؟)
قال: (يا رسول اللـه، خفت عليك من هذه المـرأة، وكانت امرأة قد قتلـت أباها
وزوجها وقومها، وكانت حديثة عهد بكفر، فخفتها عليك)
فزعموا أن رسـول الله - صلى الله عليه وسلم- قال:
(اللهم أحفظ أبا أيوب كما بات يحفظني)
قدوم المدينة
لمّا قدمت صفية - رضي الله عنها- من خيبر، أنزلت في بيت الحارث بن نعمان
فسمع نساء الأنصار، فجئن ينظرن الى جمالها، وجاءت السيدة عائشة متنقبة
فلما خرجت، خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- على أثرها فقال:
(كيف رأيت يا عائشة؟)... قالت: (رأيتُ يهودية)
فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقولي ذلك فإنها أسلمت وحسُنَ إسلامها)
بيت النبوة
وما أن حلّت صفية -رضي الله عنها- بين أمهات المؤمنين شريكة لهن برسول الله -
صلى الله عليه وسلم-، حتى أثارت حفيظة بعضهن، وقد لاحظت هي ذلك
فقدمت لهنّ بعض الحلي من الذهب كرمز لمودتها لهن
كما قدمت أيضاُ لفاطمة -رضي الله عنها-
ومن بعض المواقف التي حصلت بين الضرائر، بلغ صفية أن حفصة قالت لها:
(بنت يهودي)... فبكت فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم- وهي تبكي
فقال: (ما شأنك؟)... قالت: (قالت لي حفصة إني بنت يهودي)
فقال لها النبي: (إنك لبنتُ نبيّ، وإنّ عمّك لنبيّ، وإنّك لتحت نبيّ فبِمَ تفخرُ عليكِ)
ثم قال: (اتق الله يا حفصة)
وقد حج الرسول - صلى الله عليه وسلم- بنسائه، فبرك بصفية جملها
فبكت وجاء الرسول - صلى الله عليه وسلم- لمّا أخبروه، فجعل يمسح دموعها بيده
وهي تبكي وهو ينهاها، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالناس
فلمّا كان عند الرواح، قال لزينب: (أفقري أختك جملاً)
أي أعيريها إياه للركوب، وكانت أكثرهن ظهراً، فقالت: (أنا أفقِرُ يهوديتك؟!)
فغضب - صلى الله عليه وسلم- فلم يكلّمها حتى رجع إلى المدينة
ومحرّم وصفر فلم يأتها، ولم يقسم لها ويئست منه، حتى جاء ربيع الأول
وهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم- في حُسْنِ معاشرته لـ(صفية)
يبدلها الغم سروراً، والغربة أنساً
فضلها
كانت - رضي الله عنها- صادقة في قولها، وقد شهد لها بذلك
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعندما اجتمع نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-
في مرضـه الذي توفـي فيه، قالت صفيـة: (إني واللـه لوددت أن الذي بك بـي)
فغَمَـزْنَ أزواجه ببصرهـن فقال الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم-: (مضمِضْنَ)
أي طهّرن أفواهكنّ من الغيبة... قُلْنَ: (من أي شيء؟)
فقال: (من تغامزكنّ بها، والله إنها لصادقة)
كما أن صفية -رضي الله عنها- كانت حليمة تعفو عند المقدرة
فقد ذهبت جارية لها إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-
وقالت: (إن صفية تُحبّ السبت وتصِل اليهود)... فبعث إليها عمر فسألها عن ذلك
فقالت: (أمّا السبت فإني لم أحِبّه منذ أبدلني الله به الجمعة
وأما اليهود فإن لي فيهم رحِماً فأنا أصلها)... فلم يجب عمر
ثم قالت للجارية: (ما حملك على هذا؟)... قالت: (الشيطان)
فقالت: (اذهبي فأنت حرة)
كما اتصفت -رضي الله عنها- بعمق الفهم ودقة النظر، فقد اجتمع نفر في حُجرةِ صفية
فذكروا الله وتلو القرآن وسجدوا، فنادتهم صفية -رضي الله عنها-:
(هذا السجود وتلاوة القرآن، فأين البكاء؟)
فقد طالبتهم بالخشوع لله تعالى والخوف منه وهذا ما تدل عليه الدموع
محنة عثمان
لقد شاركت صفية - رضي الله عنها- في محنة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-
فقد قَدِمت على بغلةٍ مع كنانة مولاها لترد عن عثمان، فلقيهم الأشتر النخعي
فضرب وجْه البغلة، فلما رأت فظاظته ووحشيته قالت: (رُدّوني لا يفضحني)
ثم وضعت حسناً -رضي الله عنه- بين منزلها ومنزل عثمان، فكانت تنقل إليه الطعام والماء
وفاتها
توفيت -رضي الله عنها- حوالي سنة خمسين للهجرة
والأمر مستتب لمعاوية بن أبي سفيان، ودفنت في البقيع مع أمهات المؤمنين