[size=16]المقدمة
مع العنوان من
هي المرأة وما هي التربية ، وأظن أن السؤال الأول قد يكون عجيباً ! وكلنا
يعرف من هي المرأة ؟ ولكني - في ومضاتٍ سريعة - أجيب إجابةً تزيد من نظرة
احترامنا وتقديرنا وإجلالنا ورعايتنا وحرصنا على المرأة .
ما منكم من
أحدٍ - أيها الحضور جميعاً - حتى من لم يبقى في شعره شعرةٌ سوداء إلا وله
أمٌ حملته وأنجبته وأرضعته وغذّته ورعته وربّته .. فكلنا نعرف هذه المرأة
الأم العظيمة التي يدين كل مخلوقٍ في هذه الدنيا بالفضل لها ، وتضل أمانة
برها والوفاء بحقها مرتبطةً بعنقه حتى آخر لحظةٍ من لحظات حياتها أو حياته -
أيهما أسبق - ويظل المرء مهما كبر في السن أو شاخ طفلاً في عينه أمه ؛
لأنها عرفته طفلاً في أول حياته ؛ فإن كنت عالمً جليلاً ، أو تاجراً كبيراً
، فاعلم أنك بين يدي أمك مرةً أخرى كأنما أنت ذلك الطفل الرضيع والولد
الصغير .
ومن هنا تأتي عظمة كتاب ربنا ، وسنة نبينا صلى الله عليه
وسلم ونهج ديننا الذي في ومضاتٍ كثيرةٍ وإشاراتٍ عظيمة يبين لنا هذا المقام
الجليل .. قال تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها
ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } .
وما أوجز وأبلغ حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في الصحيح : ( الجنة تحت أقدام الأمهات ) .
ولا
أدلّ على عظمة مقامهن ، وعظمة السبيل الموصل إلى الجنة من طريقهن من هذا
الحديث العظيم الذي أوجزه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
من هي المرأة ؟
كل من منّ
الله عليه بزوجةٍ صالحة ؛ فإن - إن كان صادقاً ومخلصاً - عليه أن يقول لها :
" أنتِ مهوى فؤادي ، وسَكَن نفسي ، وقضاء وطري ، ومربية أولادي ، وحافظة
عرضي ، ومدبرة شؤوني .. أنت ملكة بيتي ، ومديرة جنتي .. " ، هذه حقيقةٌ
جعلت عباد الرحمن - فيما ذكره الله عز وجل – يقولون في دعائهم : { ربنا هب
لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما } .
وذلكم ما
تدل عليه آياته : { أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم
مودةً ورحمة إن في ذلك لآياتٌ لقومٍ يتفكرون } .
وقول الحق سبحانه
وتعالى في أوجز وأبلغ عبارةً تمثل ذلك الامتجاز والالتصاق والتعاون
والتكامل بين الرجل والمرأة الزوجين .. { هن لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن }
فما أعجب وأبلغ مثل هذا القول الرباني !
وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش. أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده ) .
من هي المرأة ؟
هي تلك
البنت التي تدخل السرور على أبيها والتي غالباً ما يكون لطفها وبرها به ،
وترددها عليه ، وإن طال بها العهد ، وبعدت بها الشقة ، وكثر لها الأولاد
أكثر في غالب الأحوال من الأبناء ؛ حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : (
من عال جاريتين فأحس تربيتهما كن ستراً له من عذاب النار ) أو كما قال صلى
الله عليه وسلم .
وقد قال عليه الصلاة والسلام - كما في الصحيح - عن
الذين يأخذون الأجر مرتين : ( ورجلٌ علم جاريةً فأحسن تعليمها وتأديبها ثم
زوجها فيؤتى أجره مرتين وهكذا تمضي بنا النصوص الشرعية ؛ لترينا المرأة من
كل زاوية فإذا هي في موضعٍ من القلب والنفس بمكان ، وفي موضعٍ من الحياة
والأثر بما كان ، وفي موضعٍ من الامتداد والبقاء والذكر بمكان .. فما
أحرانا أن نلتفت إلى هذه المعاني وليس موضوعنا مكانه المرأة ولكنه عنواننا !
ثم ما هي التربية ؟
التربية هذه الكلمة التي يصدق فيها قول الشاعر :
كلٌ يدعي وصلاًً بليلى **** وليلى لا تقرّ لهم بذاك
وزارات
للتربية والتعليم ، وشخصيات يقولون : والأمهات في الأصل أنهن مربيات
ومعلمات مفرغات لهذه المهمة .. وهذه المهمةٌ الجليلة - إذا أردنا الحق -
فهي مهمة الرسل والأنبياء ابتداءً .. ولست مفيضاً في هذا التربية في لغة
العرب مشتقة من الفعل الثلاثي : " ربا " ، وتدور معانيه في ثلاثة جوانب .
الجانب الأول : النماء والزيادة
معنى
ذلك أنه ثمرها وزودها " من ربّى ماله " ؛ فإنه كثّره وضاعفه ، ثم كذلك
معنى الرعاية والحفظ الرعاية والحفظ .. " ربُّ كل شيءٍ " من يرعاه ويحفظه ،
والله جل وعلا رب الناس ؛ لأنه راعيهم وحافظهم سبحانه وتعالى ..
والتربية كذلك السيادة والملك ، فربُّ الدار مالكها ، ورب المال صاحبه .. والمعاني الثلاثة تمتزج كلها في مرادنا بهذه التربية ..
التربية كما قال بعض الفلاسفة : " السعي إلى بلوغ الكمال والجمال الحسي والمعنوي في ذات الإنسان " . وهذا معنى بليغٌ وواسع .
والتربية
فيما يقوله أهل العلم في تعريفها : " هي بلوغ الشخصية الكاملة المتوازنة
في الجوانب النفسية ، والوجدانية ، والأخلاقية ، والفكرية والجسمية - أي من
جميع الجوانب - بتوازنٍ وكمالٍ " .. ننشئ ونربي هذا الإنسان ليبلغ ذروة
الكمال البشري ، والبشر كلهم فيهم قصورٌ ، ولا معصوم إلا من عصمه الله عز
وجل وهو المعصوم صلى الله عليه وسلم .
هذه التربية مهمةٌ دقيقة ؛ فإن
نظرة العين وإن قسمات الوجه - فضلاً عن الكلمات .. فضلاً عن الأفعال -
تكوّن بصماتٍ عميقة في نفوس الأبناء والصغار دون أن تلتفت أنظارنا إلى ذلك ،
ودون أن نعرف من أين اقتبسوا هذه الأخلاق ؟ من أين ترددت على ألسنتهم هذه
الكلمات ؟ من أين جاءت إلى عقولهم هذه الخطرات ؟
وإذا دققنا وجدنا أننا نحن
الذين أرسلناها ، ونحن الذين في نفوسهم أودعناها ؛ لأننا نظن أنهم لا
يأخذون عنا ، أو نظن أننا إذا قلنا لهم كلاماً على سبيل التعليم والتلقين
يكفي ، وما وراء ذلك لا يؤثر .
ولذلك مهمة التربية دقيقة ؛ لأنها تتعامل
مع النفوس والأرواح ، ولا مع الجسوم والأشباح .. أنت تربي نفسً والنفس
البشرية هي أعجب شيءٍ في خلق الله عز وجل ؛ حتى إن الله جل وعلا جعل الخلق
كله في كفة ، والنفس البشرية في كفة أخرى : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي
أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } ، آيات الآفاق كلها دلالةٌ على الحق ،
ولكن دلالة النفس البشرية العجيبة هي دلالةٌ مماثلةٌ لآيات الآفاق كلها ،
وقال جل وعلا : { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } .
ثم إذا نظرنا وجدنا هذه النفس
بالفعل هي عجيبة العجائب ، وعظيمة العظائم في خلق الله سبحانه وتعالى ، ولك
أن تعرف المؤثرات التي تؤثر في النفس بغضٌ وحبٌ ، انقضاضٌ وانجذابٌ ،
نفرةٌ وإقبالٌ .. بكلمةٍ واحدة ربما تفسد علاقة سنواتٍ طوال .. بموقفٍ
واحدٍ ربما تزيل عداواتٍ وبغضاء استمرت وقتاً طويلاً ؛ لأن هذا هو فن هندسة
وتربية النفوس ، ولذلك لو أردنا أن نفيض لرأينا كيف كان المربي الأعظم صلى
الله عليه وسلم يمضي مع العجوز من عجائز المدينة تخلو به في سكك المدينة ؛
ليصغي إليها !
الرجل الأعظم ، القائد الأكبر في دولة الإسلام .. ونحن
لو أرادت عجوزٌ أن تكلمنا لقلنا لها : انصرفي لحالكِ وشأنكِ ، ليس لدينا
وقتٌ لكِ ، ولا نظرٌ إليكِ !!
كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم
يجعل الحسن والحسين يمتطيانه ويركبان على ظهره ، ويقول : ( نعم الجمل
جملكما ، ونعم الراكبان أنتما ) ، ولو شئنا أن نمضي في هذا لطال بنا المقام
..
هذا هو عنواننا ، هذه هي المرأة
، وهذه هي التربية ؛ فلنمضي لنرى الأمر الأبرز المهم ؛ لأن التربية بناء
ومتابعة للبناء ، ومحافظة على هذا البناء ليست هي بناء وتنتهي منه وتتركه
.. كلا ! فإن كل مبنىً تبنيه وإن لم تكن له صيانة فسوف يفسد وسوف تخسر عليه
أكثر مما خسرت في بناءه ، وكل بناءٍ لا تسعى أن تتمه وأن تحمه يوشك أن
يكون ضعفه سبباً في انهياره .
ولذلك انتقل بكم إلى النقطة الثانية : الخطورة والأهمية
خطورة
دور المرأة في التربية ، وأهمية قيام المرأة بالتربية مسألةٌ أحسب أنها
أخطر المسائل على الإطلاق في واقعنا المعاصر ماذا تسمعون اليوم ؟ ماذا تقول
الدول العظمى ؟ ماذا تقول المؤسسات العالمية ؟ ماذا تقول المؤتمرات
الدولية على ما يدور الحديث ؟ وفيما تعد الخطط ؟ ألا ترون وتسمعون وتعرفون
أنها عن المرأة ، وعن دورها ، وعن الأسرة وتماسكها ، وعن المجتمع وخط
الدفاع الأول الذي هو بإذن الله عز وجل صمام الأمام !
دعوني أذكر هذه الأهمية في ثلاث نقاط :
أولها : قوة وفعالية تأثير التربية
التربية
كما قد يقولون أحياناً في الدعايات بطيء ، ولكنه مؤثر .. التربية كما قد
نظن الآن لأول وهلة هي قيام المرأة بتغسيل ابنها ، وإرضاعه وإعطائه الطعام ،
وتلبيسه الملابس ، كأنها مهمة تقوم بها أي خادمةٍ من آسيا أو في أفريقيا ،
أو في أي مكان ، ويمكن أن نعهد بها إلى أي مؤسسة أو حضارة من الحضارات هنا
أو هناك .. لكنني أنقل لكم أقوالاً ليست بعضها ليست بالمسلمين بالكلية ،
وبعضها لبعض لمن ليس معنياً بالإسلام ، وإن كان منتسباً إليه ؛ لنرى
الخطورة والأهمية في هذا .
هذا كاتبٌ من الكتّاب العرب ليس
من الذين يعنون بالإسلام يقول : " إن المشاريع التربوية عنوان التقدم
والنهضة والحرية " ، ولذلك – أيضاً - أكّد العديد من المفكرين : " بأن ما
لا نستطيع تحقيقه عن طريق الثورة الحمراء يمكن أن يتم عن طريق التربية ،
فالحلول التربوية ثورةٌ صامتةٌ تتغلغل في صلب الوجود الاجتماعي ، وتأخذ
مجراها في أعماق الوعي ؛ لتتحول إلى قوةٍ تاريخية تمكن المجتمع من غاياته
الحضارية السامية للتربية أهمية خاصة ، ففيها بناء الوعي ، ونشر الثقافة ،
وتشكيل الإنسان ، وهذا صلب المشروع الحضاري " .
ومن هنا تأتي أهمية دور المرأة
في التربية ماذا نعني بذلك ؟ هل الأمة اليوم تشكو من ضعف ؟ أليست اليوم هي
في حبائل التبعية ؟ أليست في جملة أحوالها مرتبطةٌ ومكبلةٌ بالذلة ؟ أين هو
مفتاح التغيير ؟ هل هو في تفجيراتٍ طائشة ؟ هل هو في صرخاتٍ على المنبر
عالية ؟ كلا ! إنه في ذلك الطريق طريق التربية .. تربية الأم تغرس الإيمان
من أول كلمةٍ في أذن ذلك الصغير وترضعه مع خليبها من ثديها ويسمعه من كل
كلماتها ويراه في كل حركاتها فينشأ جيلٌ قد تخلّص من التبعية ليكون قائداً ،
ومن الذلة ليكون عزيزاً ، ، ومن الضعف ليكون قوياً .. وهنا المعادلة
الصعبة .
إن التغيرات في الأمم لا تأتي
في يومٍ ولا يومين ، ولا في سنةٍ ولا سنتين .. إنها تأخذ مجراها ؛ فإن كان
في بيوتنا أمهاتٌ مربيات فمعنى ذلك أن في بيوتنا مصانع للأسلحة الذرية
والنووية في قوتها وأثرها ؛ لأن المرأة صانعة الأبطال ، ومربية الأجيال ،
فإذا أردنا أن نتقن معركتنا مع أعدائنا ، ومع واقع أمتنا ؛ فإن أول مفاتيح
هذه المعركة في الأم المربية .
لذلك إن أدركنا هذه الأهمية ،
واستشعرنا هذه الخطورة توجهنا التوجه الصحيح ، وأحسب أنني لو أردت أن أفيض
في هذا لكان من وراءه كلامٌ طويل ، ولكنني أعتقد أن هذا الإيجاز بمثابة ذلك
الجرس الذي يقرع ، والنور الأحمر الذي يرسل إضاءته المتقطعة ؛ ليشير إلى
أن هنا مكمن خطرٌ ، وموضع أهمية ، وأن هذا الموطن هو منعطف التغيير الحقيقي
كما قال مثل هذا الكاتب ، الذي ليس معنياً بشأن الإسلام والتربية
الإسلامية ، ولكنه يدرك أن التربية هي مفتاح التغيير الحقيقي ، وإلا لماذا
عني الأعداء بمهمة المرأة ، وكثر الحديث عنها خاصةً في هذه الأيام ؟!
النقطة الثانية : المتانة وصيانة الحماية
هل
نحن اليوم نتعرض لأمورٍ تناقض ديننا ؟ هل نحن اليوم نستمع إلى رسائل
ونشاهد مشاهد تعاكس تماماً ما يريده الله عز وجل منا ، وما دعانا إليه
رسولنا صلى الله عليه وسلم ؟ الجواب : نعم ! قد جاس الفساد في خلال الديار ،
قد دخلت القنوات والإذاعات والشبكات ، أين هي الحماية ؟ وأين هي الصيانة ؟
اغلق ، امنع ، صادر .. لا يمكن ! ولكن ربّي هذه الأم تستطيع بتوفيق الله -
عز وجل - وإخلاصها وأكمامها لهذه المهمة أن تنجز صمامات الأمان ، لقد كان
الفساد والإفساد موجوداً في كل زمانٍ ومكان ؛ حتى في عصر النبي صلى الله
عليه وسلم ، لكن التربية القوية تكسّرت عليها جميع سهام الأعداء ، ولم تفلح
!
أضرب لكم مثال : ألم يكن كعب بن
مالك رضي الله عنه يوم حصل ما حصل تخلفه في غزوة تبوك ، وأمر النبي صلى
الله عليه وسلم بمقاطعة الناس له ، وأصبح وحيداً ، وفي حالة نفسية ، ثم
جاءه من يغزوه من خارج ديار الإسلام .. جاءته رسالة من رئيس الدولة العظمى :
" قد علمنا أن صاحبك قلاك فالحق بنا نواسك " ، هذا بكل سهولة ينبغي أن
ينجذب ، وأن يمضي مع هذا التيار .. قاطعوني هجروني ، لا يكلمني أحد ، وهذه
دعوةٌ !
ماذا قال ؟ قال : " فعلمت أنها الفتنة " ، فأخذ الرسالة فسجّرها في التنور ..
إذاً الإغراء كان موجوداً لكن صلابة الإيمان ،وقوة التربية ، وإمكانية الصيانة والوقاية كانت عظيمةً جداً .
المرأة
مدرسة ، ووضع المرأة عنوان له ، سيجد صداه الاجتماعي الذي يمكّنه أن يكفل
طاقةً روحيةً واجتماعيةً تحصّن المرأة والرجل ضد مختلف الصدمات والاختناقات
التاريخية أمرٌ مهمٌ جداً ، ليس هناك إلا التربية صمام أمانٍ لأبنائنا
ولبيوتنا ولمجتمعاتنا بكل شيءٍ من غير أن نفيض في هذه التفاصيل .
النقطة الثالثة : التماسك وتكامل البناء
ما
هوا المجتمع ؟ هو مجموعة أفراده ، يحصل التماسك والتكامل من خلال اللبنة
الأولى وهي الأسرة ، ما دور المرأة بالأسرة ؟ هي الركيزة ، هي المحور الذي
له أثره البالغ ، ودوره العظيم في تماسك وبناء الأسرة ؛ لأن المرأة في
الحقيقة لا يقتصر دورها على تربية الأبناء ، بل في الحقيقة هي بلونٍ أو آخر
، وبشكلٍ أو آخر هي مربيةٌ وراعيةٌ للزوج ، ألست تأتي تعباً وتجد الراحة
عندها ؟! ألست تجد هموماً فتجد التسرية عندها ؟! ألست أحياناً تفضي بهمّك
بين يديها ، إنها صورةٌ من صور التأثير الإيجابي الذي إذا اتقنت المرأة
دورها أصبح تأثيرها ليس على الأطفال الصغار ، بل على الرجال الكبار ، وهذه
حقيقة ، فهي قد مارست دور التربية للأبناء ، ومهما كبر الأبناء يظلون في
نظر أمهاتهم أبناء ، وإن شاخوا وتقدموا في السنّ .
انظروا إلى
الدور الإسنادي ، والتكامل العظيم التي قامت به أم المؤمنين خديجة رضي الله
عنها عندما نزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم ، نعرف كيف جاء يرجف
فؤاده ، وتضطرب أظفاره لهذه المفاجئة العظيمة وهو يقول : " دثروني ثروني ،
زملوني زملوني " ماذا فعلت له أم المؤمنين ؟ امتثلت أمره ، وحققت مراده
وهدئت روعه ، وهيئت دثاره ، ثم لما هدأ روعه ، هل سألته فقالت له : الآن
أخبرني ما الذي جرى ؟ أعطني التفاصيل ؟ قدّم تقريراً مفصلاً عن ما جرى ..
كلا ! ولكنه أخبرها عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه كان يراها تلك الزوجة
العظيمة التي يعرف أنها تكون معه ، فماذا قالت له ؟
" كلا والله لا
يخزيك الله أبداً ! إنك لتصل الرحم ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين
على نوائب الحق ، ووالله لا يخزيك الله أبداً " .
انظر إلى هذا
الإسناد والدعم والعون والتثبيت ، هل اكتفت بذلك ؟ قالت : " امضِ بنا "
فذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ، وقالت له : " اسمع إلى ابن أخيك "
فيستمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول : " هذا والله الناموس الذي
جاء به موسى عليه السلام ، ليتني أكون فيها جذعاً عندما يخرجك قومك " فيقول
: أو مخرجي هم ؟! قال : ما جاء رجلٌ بمثل ما جئت به إلا أخرجه قومه .
ثم
تبقى خديجة رضي الله عنها سنداً عظيماً ، ومتكأً قوياً في رسول الله عليه
الصلاة والسلام .. وهكذا لو مضينا لوجدنا ذلك إذاً الدور العظيم لهذه
المرأة في هذه التربية له أعظم الأهمية وأكبر الخطورة .
وإذا مضينا في ومضاتٍ ثلاثة أخرى ؛ لنقول : انظروا إلى هذه المعاني
أولاً : الفطرة أن المرأة مجبولةٌ على هذا المعنى التربوي
المرأة
حتى التي اليوم أخرجوها لتلاكم وتصبح ملاكمة في لحظات حياتها المعتادة ،
تفيض عينها بكاءً ، ويرق قلبها حنيناً ، وتتدفق نفسها عطفاً طبيعةً فطريةً
في المرأة .. إن الرجل يبحث عن المرأة التي تعمر البيت بوجودها وحركتها
وعملها ، ولا يبحث عن المرأة التي تملئ المعامل والمصانع والمكاتب والشوارع
، وتخلف وراءها بيتاً يفترسه الفراغ والفساد بوسائله المباشرة وغير
المباشرة .
مسألةٌ مهمة عملت المرأة وأصبحت كما يقولون مساوية للرجل ، فهل صارت رجلاً ؟!
لا
أريد أن أفيض لكن امرأةٌ في منصب رئيسة دولة ، وهذا قريب ما زال لم يمضي
على هذا حتى عشرة سنوات ، ولا تزال هذه المرأة رئيسةً لهذه الدولة حصلت
محاولاتٌ من محاولات العسكريين للإخلال بالأمن أو انقلاب ، واتصل برئيسة
الدولة وزير الدفاع يخبرها بذلك ، فتقول هي : لم أستطع أن أخرج للتو وأن
أباشر بالمهمة حتى تزينت ولبست أحسن ملابسي !!
هل يمكن أن تخرج المرأة دون أن تراعي هذه الجوانب ، وهل يصلح هذا ؟!
مسألةٌ ثانية : ما هو البديل ؟
هل
نستطيع أن نوجد البدائل في بعض الأحيان ؟ نعم لو كانت عندنا سكرتيرة تطبع
الكمبيوتر فليوجد رجل يطبع الكمبيوتر أم لا ؟ لكن إذا لم يكن لنا أمٌ في
البيت هل سنستطيع أن نستقدم رجلاً ليكون أماً ؟ يحمل ويلد ويرضع ويربي ؟ هل
بقي أحدكم يوماً مع طفله الرضيع نصف نهار دون أن يشدّ شعر رأسه ، ودون أن
يصيح ويدعو بالثبور وعظائم الأمور ؟ لا يمكن !!
يمكن أن نوجد بدائل لكل الحاجات
الأخرى ؛ لكننا لا يمكن أن نوجد بديلاً عن الأم وعن المرأة في دورها ، لست
من أقول هذا ولكن الفطرة تقوله .
وهذه زوجة رجلٍ من رواد الفضاء
الأمريكيين القدماء ، كانت ربة بيت لم تعمل ، تقول : " أنا مسرورةٌ جداً من
بقائي في البيت إلى جانب زوجي وأطفالي ؛ حتى في الأيام العصيبة التي كنا
في حاجةٍ إلى المال لم يطلب زوجي مني أن أعمل ، وكانت فلسفته أننا نستطيع
أن نتدبر حاجاتنا الضرورية - أي بدلاً من أن نأكل رز ولحم نأكل عيش وملح -
ولكننا لا نستطيع أن نربي أبناءنا إذا أفلت الزمام من أيدينا " ، أي إذا
أخرجناها وتركنا مهمتها سوف يكون خللٌ يصعب تداركه ، لكن أيام عصيبة تمر
يقلّ فيها المال ، يقلّ فيها الطعام ثم تنفرج من بعد ، ولن تكون هناك مشكلة
.
هذه ومضة : في الأهمية
كما قلت وقدمت : الهجوم الشرس الكاسح
اليوم ليس هو في احتلال الأراضي ، وليس هو في الأسلحة الذرية .. والله إنه
في مجال المرأة والأسرة لأعظم وأخطر ، وأنا أقول لكم : خذوا المؤتمرات
الدولية التي رعتها وحرصت عليها والتفتت إليها الأمم المتحدة من القاهرة
إلى بكين إلى كوبٍ هاجن .. إلى وإلى وإلى .. وانظروا ماذا تدور عليه ؟
وانظروا إلى الدول الكبرى - اليوم - ماذا تقول ؟ وعلى أي شيءٍ تربط
مساعداتها ؟
أيها الإخوة : أكبر دولة عربية تأتيها المساعدات الأجنبية
من أكبر دولةٍ في العالم مشروطةٌ ببرنامج هو على رأس الأولويات وهو " تنظيم
الأسرة " ، وفي الحقيقة هو تحجيب الأسرة ، أو هو تضييع الأسرة ، ويأتي
إليه الخبراء وتربط المساعدات بالنجاح في هذه المهمة بماذا ؟ أريد أن أقول
لكم كتاب أمريكي صادرٌ في عام 2001 اسمه باللغة الإنجليزية " ذديف أفذوس " [
موت الغرب ] يقول الكاتب فيه : " نحن أمةٌ مقضيٌ عليها بالفناء الحقيقي
بدون أدنى سببٍ من أعدائها ؛ لأن أعداد النعوش في تسعة عشر دولةً أوروبيةٍ
وأمريكيةٍ أكثر من عدد المهود - أي عدد الأموات أكثر من عدد المواليد - ثم
قدّم إحصائيةً رقميةً بهذه الدول ، وأنها لو تركت وحدها سوف تنتهي .
اليوم عندهم مشكلةٌ كبرى : جيلٌ من الصغار ، وجيلٌ من الكبار .. ليس هناك جيل الشباب !
نسبة
الشباب خمسة وستين في المائة من عدد السكان في المملكة والخليج .. هذه
ثروة ، هذه قوة ، هذه نتاج ؛ لأن المصانع لايشغلها إلا البشر ؛ لأن
التقنيات لا يديرها إلا البشر ؛ لأن العلوم لا يطورها إلا البشر .. إذا
أنتجنا الإنسان استطعنا أن نغير الحياة كلها بإذن الله عز وجل ، هذه مسألةٌ
مهمة .
أنتقل إلى المحطة الثالثة : لماذا المرأة في التربية ؟
نعم الرجل مسئولٌ مسؤوليةً كبيرةً في التربية ، لكن دعونا نقول :
مزايا المرأة
أولاً : الخصائص النفسية الفطرية التي فطرها الله عز وجل عليها
عطفٌ
وحنان صبرٌ واحتمال ، واللهِ إن يوماً واحداً - كما قلت - مع رضيعٍ يمكن
أن يشيب له هول رأس الرجل ، وهذه المرأة قد يكون عندها اثنان وثلاثة ، هذا
رضيع ، وهذا يحبو ، وهذا يمشي وهي لو زدتها حتى من أبناء الجيران - كما
يحصل بين الجارات ، أو تأتي ابنتها وقد ولدت وتعطيها بعض أبناءها لأنها ما
زالت تدرس - ليس هناك مشكلة .. الصدر رحب ، والحنان فياض ، والعاطفة متدفقة
، والحب لا يضيق .. هكذا خلقها الله عز وجل ، أليس النبي صلى الله عليه
وسلم ضرب المثل بالمرأة في هذا المعنى ؛ لما أراد أن يلفت نظر الصحابة قال :
أترون هذه ملقيةً بولدها في النار ؟ قالوا : يا رسول الله هي أرحم به من
ذلك !
قطعاً الرجل فيه عاطفة ، لكن فيه شدة ، فيه قسوة ، طبيعته كذلك ؛
لأنه خلقة الله حتى يواجه المخاطر خارج المنزل ، وتلك حتى تغلّف البيت
بأجواء المحبة ، وتعطّره بأريج الحنان ، وتوزع فيه زهور ورياحين الهدوء
والطمأنينة والسكينة ، فإذا خرجناها إلى الصحراء فقدنا هذه الزهور
والرياحين ، والرجل بقسوته وشدة ما يلقاه يجد شدةً هنا ، وتتفجر البيوت
بهذه القنابل الانشطارية ، التي نراها اليوم في واقع مجتمعاتنا وللأسف
الشديد .
تعرفون قصة سليمان – عليه السلام - لما اختصمت المرأتان في الولد ، فماذا قال ؟
قال
: نقسمه نصفين كل واحدة تأخذ نصف ، فلما أراد أن يفعل صاحت إحداهما :
اتركته لها ! فهل يعني أنها اعترفت أنها ليست أمه ؟ كلا ! لقد أظهرت أظهر
الأدلة على أنها أمة ؛ لأنها خافت عليه ، ولسان حالها : يبقى حياً ولو
بعيداً عني ! وتلك لم يكن يعنيها شيء ؛ لأنه ليس ابنها ..
هذا المعنى مهم جداً لأن ندركه .
لن
نستطيع أن نربي الأبناء - وخاصةً في مرحلة الصغر - دون أن تكون عندنا هذه
الأم المتدفقة بالحنان ، الممتلئة بالصبر ، والقدرة على الاحتمال ، نعم !
ليس عندها قدرة والصبر والاحتمال مثل الرجل في جوانب أخرى من الحياة ، لا
تستطيع المرأة أن تجادلك وتدخل معك في مفاوضات الحساب والشراء والبيع ولذلك
أسهل شيء أن تبيع للمرأة لكن الرجل يطلّع عيونك وما يشتري شيء .. هذه
طبيعة أرادها الله عز وجل في طبيعة الرجل ، وفي طبيعة المرأة ؛ ليكمّل
أحدهما الآخر ، وليكون بهما كمال سعادة الحياة ، وهذا لا يكون بغيره .
الأمر الثاني : طبيعة الاستقرار في المرأة
الله عز وجل قد قال : { ألم نخلقكم من ماسٍ مهين فجعلناه في قرارٍ مكين } رحم المرأة أصلاً هذا تستقر فيه وتحتضنه تسعة أشهر ..
المرأة من طبيعتها الاستقرار ، المرأة تمكث في البيت كم ساعة ؟
الرجل
وخاصةً الذين يعملون في الأعمال الحرة - وكذا في يوم الإجازة - بعض الناس
في ثاني يوم في العيد يجلس في بيته ، ثم يخرج ويذهب إلى فتح الدكان ؛ لا
يستطيع أن يبقى لأن من طبيعته الحركة والانتقال وتغير الأحوال ..
أما المرأة فتسطيع أن تجلس في بيتها كل يومها لأنها جبلت هكذا .. الله عز وجل خلقها لتكون مستقر تستقر ويستقر بها .
الرجل أين يستقر؟ عند زوجته .. الأبناء أين يستقرون ؟ عند أمهم .. البيت كله أين يستقر ؟ وكيف يستقر ؟ بوجود المرأة .
طبيعة استقرار مهمة جداً للتربية وللمجتمع وللحياة كلها ؛ ولو رأيتم هذا طبيعة ظاهرة حتى في جنس الحيوانات في الجملة .
الأمر الثالث : القرب والملابسة
من أقرب إلى الأبناء ؟ ومن الأقرب إلى الرجل وهو الزوج ؟
المرأة
بطبيعتها هذه في العاطفة ، وفي الاستقرار تستطيع أن تطّلع من أحوال
الأبناء والبنات ما لا يطلع عليه أليس كذلك ؟ أليس الصغار إذا كانت عندهم
مشكلة قالوا للأم وقالوا لها لا تخبرين أبي !!
ومن طبيعتها – كذلك - المساعدة .. من الذي يغسل الملابس ؟ الأم من طبيعتها تستطيع أن تعرف من الملابس .
من
الذي يهيئ الأبناء للمدرسة ؟ الأم تعرف ما الذي يجري من أبناءها ؛ لأن
الأب مشغول يخرج إلى العمل ، وساعات مقامه في البيت قليلة ، فلا يكتشف ولا
يقترب ، ولا يعرف ذلك دور المرأة أن توصل له ، وأن تعرفه ، وأن تستعين به
بعد الله عز وجل في معالجة الأمور ، لكن إذا كان الرجل بطبيعته مشغولاً
وأشغلنا المرأة أين يفضي الأبناء بهموهم ؟ وأين يجدون جواب سؤالهم ؟ وكيف
يستطيعون أن يكتسبوا تجارب الحياة ؟ من يكون قريباً منهم حتى يستطيعوا -
بالفعل - أن يجدوا الصدر الرحب ، وأن يجدوا العقل المفكر ، وأن يجدوا
الموجه المرشد خاصةً في سن الصغر ؟
بل حتى في سن الكبر الآن نجد
الابن في المتوسطة أو الثانوية أحياناً يفضي بسرّه إلى أمه ؛ لأنه يراها
أقرب إليه وأعطف عليه ، ويخشى من أبيه .. إذاً هذه مزايا كلها تجعلنا نقول :
هذه المرأة هي الأصلح للتربية - ليس في سن الصغر بل في جملة المراحل -
دورها لا يستغنى عنه .
ولذلك لاحظوا إذا ماتت زوجة
الرجل التمس زوجةً فوراً ، وإذا مات زوج المرأة استطاعت أحياناً - إن لم
يتيسر لها الزواج - أن ترعى أبناءها !
صحيح أنها بحاجة إلى الزوج ؛ حتى يكمّل الدور ، لكن دور المرأة مع أبنائها ليس مثل الرجل لو بقي وحده مع أبناءه ، وهذا أمرٌ واضح .
سأضرب لكم ذلك بالأمثلة الحقيقية الواقعية :
جابر
بن عبدالله - رضي الله عنه - تزوج بعد أحد بقليل ، فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم لما عليه من أثر التزين : مهين - أي ماذا ؟ - قال : تزوجت يا
رسول الله ، قال : بكراً أم ثيباً ؟! قال : بل ثيباً يا رسول الله ، قال :
فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك ؟ قال : يا رسول الله إن أبا جابرٌ - يقصد أبوه
عبد الله - ترك لي تسعة بنات ، فأردت أن لا آتي بمثلهن ، وأردت امرأةً
تقوم عليهن وتصلحهن .
إذاً رأى أنه لا يستطيع أن يقوم بالدور ؛ فاحتاج إلى الزوجة لتربي له أخواته ، وتقوم بشأنه .. فكيف بأبنائهم ؟!
وخذوا مثالاً آخر :
يقول أحد
العلماء لابنه يخاطبه : سبحانك تفعل ما تشاء ، كان الأوزاعي - والأوزاعي
إمام أهل الشام ، وهو صاحب مذهبٍ من المذاهب الفقهية المعتبرة مثل الإمام
أحمد ، ومثل الشافعي ، لكن اشتهرت المذاهب الأربعة ولم يشتهر مذهبه ومذهب
غيره من الأئمة كليث بن سعد ، وكجرير الطبري وغيرهم -
يتيماً فقيراً في
حجر أمه ، تنتقل به من بلدٍ إلى بلد ، وقد جرى حكمك فيه حتى بلغته ما رأيت
- أي حتى أصبح هذا العالم الكبير - يا بني عجز الملوك أن تؤدب نفسها
وأبناءها بمثل ما أدب الأوزاعي نفسه ! أي بعد فضل الله عز وجل بمساعدة أمه
..
وكذلكم قصة ربيعة الرأي - شيخ
الإمام مالك - الذي ذهب والده إلى الجهاد ، فإذا أمه تنفق عليه المال ،
وتربّيه وتعلمه وتنشئه ؛ فإذا به إمامٌ عظيمٌ ، وهو شيخ شيوخ مسجد رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فعجب به والده بذلك وفرح .
بل سفيان الثوري - إمام
التابعين في بلاد العراق وفي الكوفة - كانت أمه تقول له : " يا بني امضِ
لطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي " ، تغزل وتبيع وتربي وتنتج ، وتخرج العلماء
والأبطال .. هذا هو التحدي - الذي قلناه - هذه هي الطبيعة التي للمرأة ،
تستطيع المرأة أن تقوم بدور الرجل - وإن نقص - بكفاءةٍ أعلى من قيام الرجل
لدوره لولم تكن المرأة موجودة .
أنا أريد أن تستشعروا ذلك حقيقةً ، وأن تذكروا فضل الأمهات - وهذا معروف - لكن أيضاً أن تذكروا فضل الزوجات وأنا أقول للجميع :
اجعل
في سجودك دعاءً دائماً لزوجتك ؛ لأن فضلها وأجرها وأثرها عليك وعلى أبنائك
أعظم من أن تستطيع توفيته ، فادعو الله أن يجزيها لأنك لا تستطيع أن
تجزيها ، وهذا أمر مهم .
نحن ننظر إلى الزوجات فقط من
جهة " ماذا أعدت من طعام ؟ " ماذا فعلت في البيت ؟ " " ماذا هيأت للزوج من
متعة ؟ " دون أن نلتفت إلى المهمة الحقيقية الكبرى !
أنت تخرج ولا تلتفت
، وتنشغل ولا تعتني من الذي خلفك في بيتك ؟ من الذي حصّن أبناءك ؟ من الذي
حفظ - بإذن الله عز وجل – بيتك ؟ أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (
والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها " هذه مسألةٌ مهمة .
اعتقد
أننا أجبنا إلى حدٍ ما لماذا للمرأة وقبل ذلك أضننا اعتنقنا بأهمية وخطورة
دور المرأة في التربية هل توافقونني حتى أمضي في موضوعي وحديثي أم أنني
أخاطب نفسي ولا أدري عنكم شيئاً
سننتقل إلى نقطة مهمة جداً ما هي هذه
النقطة المهمة ؟ الآن وقد عرفنا أهمية هذا الدور ، وعرفنا خصيصة المرأة فيه
.. ما هي النقطة المهمة التي لا بد أن يتركز حديثنا عنها ؟
كيف السبيل إلى هذه المرأة المربية ؟
هذه
قضيةٌ مهمة .. إذا قلنا هي صمام الأمان ، وإذا قلنا هي أقوى من الأسلحة
الذرية ،نحن عندنا أسلحة ذرية في البيوت ، فليأتي من يفتّش لن يجد شيئاً ،
ولكن سنفجّرها في كل الدنيا تفجيراتٍ حسنة تعمّ بالخير والهدى والتقى
والصلاح والإصلاح وعمران الدنيا بالجيل المؤمن المسلم الذي يتربى في حلس
وقعر البيوت على أيدي المربيات الأمهات الفاضلات الزوجات الصالحات القانتات
العابدات .
كيف السبيل إليها ؟
سنتحدث في شقين : سبلٌ عامة ، وسبلٌ خاصة بالمرأة
أولاً السبل العامة : تربية البنات
ما معنى تربية البنات ليكنّ أمهات ؟
نحن اليوم يغلب على الناس كأننا نربي البنات ليكن موظفات .. علمها في الجامعة هذا هو الأهم !
لا
أقول : لن نعلّم البنات ! لكن لا أجعل من علمها في الجامعة وسيلة للكسب ..
أين دورها مع زوجها ؟ أين المهارات في تربية أبنائها ؟ أين حرص الآباء على
ذلك في بناتهم ؛ فضلاً عن حرص الأمهات في ذلك في بناتهم ؛ حتى اليوم كنت
أتحدث مع أحد الإخوة يخبرني أن زوجته حملت ، وأنه قد اضطر أن يعمل عملية
للربط ؛ حتى يبقى الجنين ! فقلت له بالأسلوب الفكاهي : بنات اليوم بضاعة
تايون تقليد ، فقال : صحيح !
بمعنى - أنك بالفعل - اليوم تجد البنت تتزوج .. ومع أول تصرخ عشر صرخات .. لماذا ؟ لأنه ليس هناك إعداد .
أول قضية هي : كيف ننشئ البنت لتكون أماً مربية ؟
لا بد أن نقول لها : " إن المهمة العظيمة ، والغاية السامية التي فيها دوركِ الرائد ، وأثركِ الكبير هو أن تكوني أماً " .
ولو
أردنا أن نستقصي لوجدنا بعض الشهيرات من المغنيات والثريات من الذين ليسوا
من أهل الإسلام ، وبعد دهرٍ طويل تقول : أتمنى لو أنني أنجبت في حياتي
مولوداً واحداً ؛ لأكون أمّاً !
المسألة الثانية مهمة جداً وخطيرة جداً وهي : مناهج التعليم
في
كثير من البلاد ندرّس البنات هندسة البترول ؛ لتذهب وتكون في الحقل
البترولي الذي يكون في الصحراء أو في أعماق البحار أو كذا ولا ندرسها في
مناهج التعليم كيف تعرف الطفل ومراحل عمره وتربيته ؟ كيف تدير أسرتها ؟
التخصصات قليلة ؛ حتى لو أردت أن أسردها :
ليس
عندنا في جملة التعليم إلا تخصص التربية الإسلامية ، أو تخصص ما يسمى في
التربية الخاصة الذي يتعامل مع المعاقين وذوي الحاجات الخاصة .. عندنا ما
يسمى بالاقتصاد المنزلي تخصص جيد للنساء لكن يركز على فنون الطبخ ، وفنون
الخياطة ، وفنون الديكور ، ولا يظم إليه بالقدر نفسه والعناية والأهمية
نفسها فنون التربية ، وفنون التنشئة ، وفنون معرفة سياسة ورعاية وفهم
نفسيات الأطفال وغير ذلك ..
ثالثاً : وسائل الإعلام
وما أدراك ما وسائل الإعلام ! لو أنها تعمل في المجال الصحيح والله لكان من ورائها خيرٌ عظيم !
عندنا
نساء أمهات مربيات في البيوت ، فجاء الإعلام فقال لهن :" أنتن قعيدات
البيوت ! أنتن على هامش الحياة ! أنتن لا قيمة لكنّ ! أنتن سقطٌ في المتاع !
أنتِ مثل الكنبة ! وأنتِ مثل الفرش لا قيمة لكِ .. " ؛ حتى تتمرد على
أمومتها ، وتتخلى عن تربيتها .. في الجملة وسائل الإعلام اليوم تفسد أكثر
مما تصلح .
ولذلك إذا جاءت وسيلةٌ إعلامية نظيفة ، ومعتنية بالأهداف
والغايات السامية ، فأقول : لها دورٌ وعظيم لماذا ؟ لأن المرأة أيضاً في
جملة الحال وقتها في بيتها كبير ، فقد ترى من البرامج المفيدة والنافعة ،
وتستمع وتشاهد وتتابع ما يعود عليها بالنفع والفائدة ، ولذلك سلوا الأمهات
فإنهن أعرف بالبرامج ومواقيتها من الرجال في الجموع .
أسافر أحياناً في
بعض الدورات .. كنا مرةً في دول اسكندنافية في أقصى شمال الدنيا ، فوجدت
أن البيوت المسلمة هناك في الدول - مثل السويد - ما تصدقون أنهم ينتظرون
برامج بعض القنوات التي تقدّم برامج جيدة ، وهي مكتوبة ومعلقة عندهم في
بيوتهم ؛ لأنها تعتبر وجبتهم الرئيسة .. ما عندهم دروس ومحاضرات وأشرطة
كثيرة ، فيستقبلون هذه القنوات التي تبثّ من بلادٍ مختلفة ، ويحرصون عليها
بل في بعض البلاد العربية التي فتك فيها التغريب فتكاً عظيمًا .. أكثر قناة
مشاهدة في بلد هي قناة إسلامية وطيبة رغم أن هذه البلاد كل قنواتها ، وكل
مناهجها التعليمية ، وكل أنظمتها الرسمية - بل وكل قوانينها - تعارض
الإسلام وتخالفه ؛ خاصةً في شئون المرأة .
إذاً الإعلام قضية خطيرة ،
ولذلك من ينفق لبناء مسجد ربما لو أنفق لإعداد برنامجٍ تربويٍ للأسرة
المسلمة ، ربما كان أجره وخيره أثره ربما في بعض الأحيان أكثر من المسجد ،
وهذه مسألةٌ مهمة .
الرابع : المحاضن الدعوية
نحن
نوجه الدعوة لرجال والشباب والمخيمات الشبابية وكذا وقليلٌ منها هو حظ
المرأة ونقول : المرأة لا شأن لها بالدعوة .. سبحان الله ! كيف ستأتي
المرأة الداعية ؟ وكيف ستكون عندي في بيتي زوجةٌ تعتني بالتربية ، وتهتم
بالدعوة ما لم تكن هناك أنشطةٌ دعويةٌ ، وبرامج دعوية للنساء ؛ حتى تكون
عندها من الدعوة والمعرفة بهذا ما هي في أمسّ الحاجة إليه لدورها التربوي .
ولذلك
أقول للأزواج : بعض الرجال تريد زوجته أن تذهب إلى درس من الدروس فيقول
لها : أنا مشغول ! كيف تريد أن يكون لها دور إيجابي ، وأنت لا تعطيها
الفرصة وأن تسمع إلى الدرس العلمي ، والمحاضرة ، وإلى التذكرة ، ولا تأتي
لها الكتاب ، ولا توفّر المكتبة في البيت ، ولا توفر الأشرطة ! مسألةٌ
أيضاً مهمة .
ومثل ذلك أيضاً وهو في آخر نقطة في الوسائل العامة : المؤسسات الاجتماعية
كثير
من جمعيات النسائية تعنى بالطبق الخيري ، تعنى بإعداد عروض الأزياء ؛
لكنها العناية بتكثيف برامج الدورة ، وتعنى بالكمبيوتر ، وليس في هذا
اعتراض ، لكن نريد عنايةً مثله أو أكثر في الجانب التربوي ، كيف تعتني
بزوجها ؟ كيف تربي أبناءها ؟
التربية علم يدرّس اليوم ،
وتؤخذ فيه شهادات الدكتوراه ، وهناك جامعات عريقة ، وكليات أصيلة ليس لها
تخصص إلا التربية ، ليست التربية قضية - كما قلنا - عارضة ! نأتي بأي خادمة
من آسيا وأفريقيا ونقول هي : " المربية " .. يقولون : هذه مربية الأبناء
.. مربية الأبناء ولسانها أعجمي لا تعرف لغتهم ! مربية الأبناء لا تعرف
تاريخهم ولا حضارتهم !
هذه ليست تربية .. هذا نوع من السفه والتضييع والإجرام في حق الأبناء .
ثم أتوجه إلى نقطةٍ ثانية وهي : الوسائل والأمور
وهي قريبة من التي سبقها ، لكنا نوجهها إلى المرأة مباشرةً نقول : سيدتي المربية أولاً : احملي الهمّ
لا
بد أن تدرك المرأة أهمية الدور التربوي ، الذي تقوم به على نحوٍ مما
أوجزنا القول فيه ،ووضحناه .. لا بد من ذلك حتى تحمل الهم وتدرك المسالة .
ثانياً : اعرفي القدر أي قدر وقيمة هذا الدور
أيها الإخوة :
إن الأثر
الاجتماعي والتربوي - بل والاقتصادي - الذي تقوم به المرأة وهو : تربي
أبناءها أكبر وأفضل وأكثر فائدةً من أدوار كثيرٍ من النساء اللائي يعملن
هنا أو هناك ، ولا أقول المرأة غير مرغوبٍ فيها ، لكن أقول : العمل الأساسي
هنا مهم ؛ حتى من الناحية الاقتصادية .. المرأة إذا بقيت في البيت استطاعت
في تدبير المال وحفظه ، وحسن تصريفه أن توفر - وكما يقولون - القصة
المشهورة
أن رجلاً كان تاجر ذهب ، وكان دائماً يأتي لزوجته ببعض بضاعته
، ويأخذها في المرة الثانية ، فكانت تحتفظ بجزء من الذهب ، وكان دائماً ما
يأتي فرحاً وهو يكسب ، فجاء مرة وقد خسر خسارة كبيرة - وتعرفون هذه
التجارات - فجاء مهموما ، فقالت له : لا تخشى شيئاً .. قد كنت آخذ من
أرباحك وفتحت له ، فإذا به يجد من الذهب ما يعتبره رأس مال ، يستأنف به ..
المرأة أحياناً تستحي لو قيل
لها : " ما هو عملكِ ؟ " إذا لم كان عندها وظيفة ، تستحي من كلمة " ربة بيت
" ، كلا ! هذه المهمة هي الأصل والأساس ، المرأة تعمل ولكن بقدرٍ من الوقت
، وإلى سنّ معين ، وتراعي ما تقوم به في هذه المهمة .
نقول أيضاً : تزودي في العلم
لا
بد المرأة المسلمة أن تحرص على الشرعي ، تستمع إلى الأشرطة ، تحضر
المحاضرات ، تأخذ الدروس .. لو استطاعت أن تدرس في كلية شرعية تستطيع أن
تعلم أبناءها التوحيد ، والفقه في بعض المسائل في نعومة أظفارهم في
البدايات المهمة .. هذه مسألة مهمة .
وكذلك نقول : تعلمي تربية
نفسية الأطفال ، حاجات الأطفال ، كيف يفكر الأطفال ، علاج العناد عند
الأطفال ، كيف يمكن أن نجيب على الأسئلة المحرجة للأطفال ... هذه أبواب
مهمة جداً ، لا بد أن تحرص عليها .
ثم نقول : تدربي وتدربي ، هناك دورات
تدريبية .. تدربي وتدربي هناك دورات تأهيلية للنساء في معاملة الأزواج ،
في تربية الأبناء ، في علاج المشكلات .. تأخذ المرأة بهذا قدر استطاعتها ؛
حتى تنتج وتنجز بقدر المستطاع .
انظروا إلى كثيرٍ من البيوت كم عند
المرأة من كتب الطبخ ، وكم عندها من كتب التربية .. ابحثوا هذا اليوم إذا
رجعتم إلى البيوت ، فتشوا اعملوا لجنة تفتيشية ستجدوا هناك الطبخ الشرقي ،
والطبخ الغربي والصيني والإيطالي ، ولن تجد في التربية شيئاً يوازي ذلك !!
أيضاً
اللقاءات العائلية التي تتم بين النساء ماذا يتبادلن ؟ " ما لبست تلك في
ذلك الزواج .. وماذا لبست هذه في تلك المناسبة .. " ، لماذا لا يتبادلن : "
ماذا فعلت مع ابنكِ .. رأيت ابنكِ له خلق جيد .. رأيته يحفظ القرآن ..
ماذا عملتي .. كيف تعملين إذا أزعجكِ ابنكِ .. كيف تتعاملين معه .. " لماذا
لا يقولن هذه التجارب ؟ لماذا لا تقرأ المرأة عن تجارب الأمهات العظيمات
اللآئي أنجبن القواد العظام العلماء الكبار ..كيف كانت تربية هذا العالم
وذلك القائد .. كلهم كانت لهم أمهات .. فلتقرأ المرأة حتى تكتسب هذه الخبرة
..
أقول : هذه مسألةٌ مهمة نحتاج
إليها بقدرٍ كبير ، وأحسب أني قد أوجزت ما أردت فما سأزيده بعد ذلك إن لم
يكن عندكم سؤال هو مزيدٌ في أمورٍ تحتاج إلى تفصيلٍ أكثر .. نسأل الله عز
وجل لنا ولكم السداد
أريد أن أرجع إلى ذكر الهدفين الأساسيين الذين ذكرتهما في البداية :
الهدف الأول : هو استشعار أهمية المرأة المربية أو دور المرأة في التربية
والثاني : معرفة الطريق والوصول إلى المرأة المربية .
قد
أسلفت أني أريد أن نصل إلى هذين الهدفين ، وفي ظني أننا حققنا ذلك الهدف ،
فقد وقفنا وقفاتٍ متأنية مع بيان هذه الأهمية والخطورة - ليس على مستوى
البيت الواحد ولا المجتمع ؛ بل على مستوى الأمة ، وليس على مستوى البناء بل
على مستوى المواجه والتحدي للأعداء - وكذلكم رأينا بعضاً من الوسائل
والطرائق والنصائح ، التي تأخذ بها المرأة ويحرص عليها المجتمع ؛ لنخرج
الأم المربية ذات الدور الرائد
هنا إضافات كما قلت هي موضوعاتٌ مستقلة
لكن رغبةً في إكمال شيءٍ من الفائدة أذكر مثل هذا القول بإيجاز وهو بعض
الإضاءات حول التربية ، أو دور المرأة في التربية مباشرةً .
سأذكر قواعد عامة ، ثم مجالات متنوعة للتربية ، ثم في آخر الأمر سنقرع أجراس الإنذار ..
أما القواعد العامة فأوصي المرأة فيها بالنظام والتنظيم :
أولاً
: لا بد للمرأة لكي تحسن هذه المهمة أن تكون منظمةً ؛ سواءً كان في وقتها
.. سواءً في ترتيب أولوياتها .. سواءً في تنظيم بيتها ؛ حتى تتهيأ الأجواء
مادياً ومعنوياً للزوج والأبناء بما يساعدها على حسن أداء دورها وتربيتها .
العنصر الثاني : الاستغلال والاستثمار
لا
بد أن تكون ذكيةً فطنةً حاذقة ، لا تجد فرصةً من الوقت إلا استغلتها ، لا
تجد حدثاً من الأحداث إلا حوّلته إلى التربية .. هذا الشيخ أحمد ياسين
يُستشهد تلفت نظر الأبناء مباشرةً ، تكون مستثمرة للحدث .. هذا رجلٌ قعيد
استطاع أن يؤدي دوراً ، وأن يواجه عدواً ، وأن يمضي بإذن الله عز وجل إلى
الله شهيداً .. فيتحول كل شيء بالنسبة للأبناء إلى بناء مفاهيم تربوية ،
إلى نصائح وإرشادات .. حتى الجانب السلبي إذا جاء الابن بخلق أو بتصرف سيء
تقول له : انظر كيف كانت النتيجة لو أنك تستمر على هذا ؟ هكذا ستكون
النتيجة .. تنبه ! فيتحول كل شيء إلى الإثمار .. لماذا ؟ لأن عقلها منشغل
بأن تغرس نفوس الأبناء ، وتؤدي للزوج مقاماً حميداً مذكوراً مشكوراً في
البناء والقوة والتربية .
المسألة الثالثة وهي الركيزة المهمة : التفاهم والتعاون مع الزوج
لأن
المرأة أحياناً تستقلّ بنفسها ، وهذا طبعاً ليس عيبها ، وليس مسئوليتها
وحدها هي مسؤولية الأزواج كذلك .. الزوج يريد أن يأتي ليكون حاكماً بأمره
دون أن يسأل زوجته لماذا يفعل ذلك ؟ قد يكون لها حكمة ! اسألها حتى تراعي
ما صنعته ، لكن من مهمة المرأة أيضاً أن تتفاهم مع زوجها وتتعاون معه ،
تقول له : أنا أفعل كذا وكذا ، الأبناء لديهم كذا وكذا ، نريد أن نتعاون في
كذا وكذا .. لماذا بعضنا - وأنا أقول هذا عن نفسي وعن غيري - عنده علم ،
وعنده بعض الخبرة والتجربة يفيض بها على الآخرين ، ويعمل درساً هنا ودرساً
هناك ، ومحاضرةٌ هنا ومحاضرةٌ هناك ، لكن أين درسه في بيته ؟ أين محاضرته
لأبنائه ؟ أين وعظه لزوجته ؟ أين تذكيره لأسرته ؟ مسائل كثيرة لا بد أن
يكون هناك تكامل وتعاون ، والمرأة بحكمتها وعاطفتها تستطيع بإذن الله عز
وجل أن تحقق هذا ..
أما بالنسبة للأبناء ومجالات التربية فهي كثيرة :
أجلّها وأهمّها : التربية الإيمانية
أن
تغرس في نفس الطفل منذ صغره التعلق بالله ، والارتباط به ، والالتجاء إليه
، والخوف منه ، والحياء منه ؛ لأن من شبّ على شيءٍ شاب عليه
والنفس كالطفل إن تتركه شبّ على **** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
هذه
مسألة التربية الإيمانية مسألة مهمة ..استخدام الأسماء الحسنى والتعريف
بمعانيها ، وأثرها في حياة الإنسان الصغير ، إذا قال قولاً فلتقل له الأم :
إن الله يسمع كل شيء فهو يسمع قولك هذا .. فإذا كان القول حسناً قالت : إن
الله يسمع قولك ويرضى عنك ويأجرك ، ويكون لك إن شاء الله خيرٌ في حياتك ،
وإن كانت الأخرى نبهته إن الله عز وجل بصيرٌ يرى كل شيءٍ في الوجود ، لا
تخفى عليه خافية ، تعلّمه ذلك بما يناسب سنه ، تمثّل له بما يتلاءم معه ..
التربية العبادية
والباب في
هذا واسع .. ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( علموا أبنائكم
الصلاة لسبع ) وهو ليس مكلفاً ؛ أي عودوه ، ربوه على ذلك .. هذه الربيع بنت
معوذ بن عفراء تقول : إن النبي عليه السلام أرسل في غداة عاشوراء ، قال :
من كان صائماً فليتم صومه ، ومن لم يكن صائماً فليمسك ، ثم صام الناس من
بعد ، فكنا نصومه ونصوّم أبناءنا وصبياننا .. ونخرج للمسجد فنأخذ معنا
العهن - أي كذا أشكال للألعاب - فإذا جاعوا أعطيناهم اللعب ؛ حتى يأتي
المغرب .. أي يعودونهم العبادة .
وأنتم ترون البنت الصغيرة إذا كانت
الأم محجبة تجد البنت تتحجب وهي صغيرة ، والحجاب يكون لها كنوع من الجمال
لماذا ؟ لأنها رأت الأم !
إذًا التربية العبادية والتعويد
عليها مهمة جداً ، وهي تنظم حياة الطفل من صغره وتغرس في نفسه هذا التعلق
بالروحانيات والعبادات المهمة .
[color:cfad=b
مع العنوان من
هي المرأة وما هي التربية ، وأظن أن السؤال الأول قد يكون عجيباً ! وكلنا
يعرف من هي المرأة ؟ ولكني - في ومضاتٍ سريعة - أجيب إجابةً تزيد من نظرة
احترامنا وتقديرنا وإجلالنا ورعايتنا وحرصنا على المرأة .
ما منكم من
أحدٍ - أيها الحضور جميعاً - حتى من لم يبقى في شعره شعرةٌ سوداء إلا وله
أمٌ حملته وأنجبته وأرضعته وغذّته ورعته وربّته .. فكلنا نعرف هذه المرأة
الأم العظيمة التي يدين كل مخلوقٍ في هذه الدنيا بالفضل لها ، وتضل أمانة
برها والوفاء بحقها مرتبطةً بعنقه حتى آخر لحظةٍ من لحظات حياتها أو حياته -
أيهما أسبق - ويظل المرء مهما كبر في السن أو شاخ طفلاً في عينه أمه ؛
لأنها عرفته طفلاً في أول حياته ؛ فإن كنت عالمً جليلاً ، أو تاجراً كبيراً
، فاعلم أنك بين يدي أمك مرةً أخرى كأنما أنت ذلك الطفل الرضيع والولد
الصغير .
ومن هنا تأتي عظمة كتاب ربنا ، وسنة نبينا صلى الله عليه
وسلم ونهج ديننا الذي في ومضاتٍ كثيرةٍ وإشاراتٍ عظيمة يبين لنا هذا المقام
الجليل .. قال تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها
ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } .
وما أوجز وأبلغ حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في الصحيح : ( الجنة تحت أقدام الأمهات ) .
ولا
أدلّ على عظمة مقامهن ، وعظمة السبيل الموصل إلى الجنة من طريقهن من هذا
الحديث العظيم الذي أوجزه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
من هي المرأة ؟
كل من منّ
الله عليه بزوجةٍ صالحة ؛ فإن - إن كان صادقاً ومخلصاً - عليه أن يقول لها :
" أنتِ مهوى فؤادي ، وسَكَن نفسي ، وقضاء وطري ، ومربية أولادي ، وحافظة
عرضي ، ومدبرة شؤوني .. أنت ملكة بيتي ، ومديرة جنتي .. " ، هذه حقيقةٌ
جعلت عباد الرحمن - فيما ذكره الله عز وجل – يقولون في دعائهم : { ربنا هب
لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما } .
وذلكم ما
تدل عليه آياته : { أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم
مودةً ورحمة إن في ذلك لآياتٌ لقومٍ يتفكرون } .
وقول الحق سبحانه
وتعالى في أوجز وأبلغ عبارةً تمثل ذلك الامتجاز والالتصاق والتعاون
والتكامل بين الرجل والمرأة الزوجين .. { هن لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن }
فما أعجب وأبلغ مثل هذا القول الرباني !
وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش. أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده ) .
من هي المرأة ؟
هي تلك
البنت التي تدخل السرور على أبيها والتي غالباً ما يكون لطفها وبرها به ،
وترددها عليه ، وإن طال بها العهد ، وبعدت بها الشقة ، وكثر لها الأولاد
أكثر في غالب الأحوال من الأبناء ؛ حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : (
من عال جاريتين فأحس تربيتهما كن ستراً له من عذاب النار ) أو كما قال صلى
الله عليه وسلم .
وقد قال عليه الصلاة والسلام - كما في الصحيح - عن
الذين يأخذون الأجر مرتين : ( ورجلٌ علم جاريةً فأحسن تعليمها وتأديبها ثم
زوجها فيؤتى أجره مرتين وهكذا تمضي بنا النصوص الشرعية ؛ لترينا المرأة من
كل زاوية فإذا هي في موضعٍ من القلب والنفس بمكان ، وفي موضعٍ من الحياة
والأثر بما كان ، وفي موضعٍ من الامتداد والبقاء والذكر بمكان .. فما
أحرانا أن نلتفت إلى هذه المعاني وليس موضوعنا مكانه المرأة ولكنه عنواننا !
ثم ما هي التربية ؟
التربية هذه الكلمة التي يصدق فيها قول الشاعر :
كلٌ يدعي وصلاًً بليلى **** وليلى لا تقرّ لهم بذاك
وزارات
للتربية والتعليم ، وشخصيات يقولون : والأمهات في الأصل أنهن مربيات
ومعلمات مفرغات لهذه المهمة .. وهذه المهمةٌ الجليلة - إذا أردنا الحق -
فهي مهمة الرسل والأنبياء ابتداءً .. ولست مفيضاً في هذا التربية في لغة
العرب مشتقة من الفعل الثلاثي : " ربا " ، وتدور معانيه في ثلاثة جوانب .
الجانب الأول : النماء والزيادة
معنى
ذلك أنه ثمرها وزودها " من ربّى ماله " ؛ فإنه كثّره وضاعفه ، ثم كذلك
معنى الرعاية والحفظ الرعاية والحفظ .. " ربُّ كل شيءٍ " من يرعاه ويحفظه ،
والله جل وعلا رب الناس ؛ لأنه راعيهم وحافظهم سبحانه وتعالى ..
والتربية كذلك السيادة والملك ، فربُّ الدار مالكها ، ورب المال صاحبه .. والمعاني الثلاثة تمتزج كلها في مرادنا بهذه التربية ..
التربية كما قال بعض الفلاسفة : " السعي إلى بلوغ الكمال والجمال الحسي والمعنوي في ذات الإنسان " . وهذا معنى بليغٌ وواسع .
والتربية
فيما يقوله أهل العلم في تعريفها : " هي بلوغ الشخصية الكاملة المتوازنة
في الجوانب النفسية ، والوجدانية ، والأخلاقية ، والفكرية والجسمية - أي من
جميع الجوانب - بتوازنٍ وكمالٍ " .. ننشئ ونربي هذا الإنسان ليبلغ ذروة
الكمال البشري ، والبشر كلهم فيهم قصورٌ ، ولا معصوم إلا من عصمه الله عز
وجل وهو المعصوم صلى الله عليه وسلم .
هذه التربية مهمةٌ دقيقة ؛ فإن
نظرة العين وإن قسمات الوجه - فضلاً عن الكلمات .. فضلاً عن الأفعال -
تكوّن بصماتٍ عميقة في نفوس الأبناء والصغار دون أن تلتفت أنظارنا إلى ذلك ،
ودون أن نعرف من أين اقتبسوا هذه الأخلاق ؟ من أين ترددت على ألسنتهم هذه
الكلمات ؟ من أين جاءت إلى عقولهم هذه الخطرات ؟
وإذا دققنا وجدنا أننا نحن
الذين أرسلناها ، ونحن الذين في نفوسهم أودعناها ؛ لأننا نظن أنهم لا
يأخذون عنا ، أو نظن أننا إذا قلنا لهم كلاماً على سبيل التعليم والتلقين
يكفي ، وما وراء ذلك لا يؤثر .
ولذلك مهمة التربية دقيقة ؛ لأنها تتعامل
مع النفوس والأرواح ، ولا مع الجسوم والأشباح .. أنت تربي نفسً والنفس
البشرية هي أعجب شيءٍ في خلق الله عز وجل ؛ حتى إن الله جل وعلا جعل الخلق
كله في كفة ، والنفس البشرية في كفة أخرى : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي
أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } ، آيات الآفاق كلها دلالةٌ على الحق ،
ولكن دلالة النفس البشرية العجيبة هي دلالةٌ مماثلةٌ لآيات الآفاق كلها ،
وقال جل وعلا : { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } .
ثم إذا نظرنا وجدنا هذه النفس
بالفعل هي عجيبة العجائب ، وعظيمة العظائم في خلق الله سبحانه وتعالى ، ولك
أن تعرف المؤثرات التي تؤثر في النفس بغضٌ وحبٌ ، انقضاضٌ وانجذابٌ ،
نفرةٌ وإقبالٌ .. بكلمةٍ واحدة ربما تفسد علاقة سنواتٍ طوال .. بموقفٍ
واحدٍ ربما تزيل عداواتٍ وبغضاء استمرت وقتاً طويلاً ؛ لأن هذا هو فن هندسة
وتربية النفوس ، ولذلك لو أردنا أن نفيض لرأينا كيف كان المربي الأعظم صلى
الله عليه وسلم يمضي مع العجوز من عجائز المدينة تخلو به في سكك المدينة ؛
ليصغي إليها !
الرجل الأعظم ، القائد الأكبر في دولة الإسلام .. ونحن
لو أرادت عجوزٌ أن تكلمنا لقلنا لها : انصرفي لحالكِ وشأنكِ ، ليس لدينا
وقتٌ لكِ ، ولا نظرٌ إليكِ !!
كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم
يجعل الحسن والحسين يمتطيانه ويركبان على ظهره ، ويقول : ( نعم الجمل
جملكما ، ونعم الراكبان أنتما ) ، ولو شئنا أن نمضي في هذا لطال بنا المقام
..
هذا هو عنواننا ، هذه هي المرأة
، وهذه هي التربية ؛ فلنمضي لنرى الأمر الأبرز المهم ؛ لأن التربية بناء
ومتابعة للبناء ، ومحافظة على هذا البناء ليست هي بناء وتنتهي منه وتتركه
.. كلا ! فإن كل مبنىً تبنيه وإن لم تكن له صيانة فسوف يفسد وسوف تخسر عليه
أكثر مما خسرت في بناءه ، وكل بناءٍ لا تسعى أن تتمه وأن تحمه يوشك أن
يكون ضعفه سبباً في انهياره .
ولذلك انتقل بكم إلى النقطة الثانية : الخطورة والأهمية
خطورة
دور المرأة في التربية ، وأهمية قيام المرأة بالتربية مسألةٌ أحسب أنها
أخطر المسائل على الإطلاق في واقعنا المعاصر ماذا تسمعون اليوم ؟ ماذا تقول
الدول العظمى ؟ ماذا تقول المؤسسات العالمية ؟ ماذا تقول المؤتمرات
الدولية على ما يدور الحديث ؟ وفيما تعد الخطط ؟ ألا ترون وتسمعون وتعرفون
أنها عن المرأة ، وعن دورها ، وعن الأسرة وتماسكها ، وعن المجتمع وخط
الدفاع الأول الذي هو بإذن الله عز وجل صمام الأمام !
دعوني أذكر هذه الأهمية في ثلاث نقاط :
أولها : قوة وفعالية تأثير التربية
التربية
كما قد يقولون أحياناً في الدعايات بطيء ، ولكنه مؤثر .. التربية كما قد
نظن الآن لأول وهلة هي قيام المرأة بتغسيل ابنها ، وإرضاعه وإعطائه الطعام ،
وتلبيسه الملابس ، كأنها مهمة تقوم بها أي خادمةٍ من آسيا أو في أفريقيا ،
أو في أي مكان ، ويمكن أن نعهد بها إلى أي مؤسسة أو حضارة من الحضارات هنا
أو هناك .. لكنني أنقل لكم أقوالاً ليست بعضها ليست بالمسلمين بالكلية ،
وبعضها لبعض لمن ليس معنياً بالإسلام ، وإن كان منتسباً إليه ؛ لنرى
الخطورة والأهمية في هذا .
هذا كاتبٌ من الكتّاب العرب ليس
من الذين يعنون بالإسلام يقول : " إن المشاريع التربوية عنوان التقدم
والنهضة والحرية " ، ولذلك – أيضاً - أكّد العديد من المفكرين : " بأن ما
لا نستطيع تحقيقه عن طريق الثورة الحمراء يمكن أن يتم عن طريق التربية ،
فالحلول التربوية ثورةٌ صامتةٌ تتغلغل في صلب الوجود الاجتماعي ، وتأخذ
مجراها في أعماق الوعي ؛ لتتحول إلى قوةٍ تاريخية تمكن المجتمع من غاياته
الحضارية السامية للتربية أهمية خاصة ، ففيها بناء الوعي ، ونشر الثقافة ،
وتشكيل الإنسان ، وهذا صلب المشروع الحضاري " .
ومن هنا تأتي أهمية دور المرأة
في التربية ماذا نعني بذلك ؟ هل الأمة اليوم تشكو من ضعف ؟ أليست اليوم هي
في حبائل التبعية ؟ أليست في جملة أحوالها مرتبطةٌ ومكبلةٌ بالذلة ؟ أين هو
مفتاح التغيير ؟ هل هو في تفجيراتٍ طائشة ؟ هل هو في صرخاتٍ على المنبر
عالية ؟ كلا ! إنه في ذلك الطريق طريق التربية .. تربية الأم تغرس الإيمان
من أول كلمةٍ في أذن ذلك الصغير وترضعه مع خليبها من ثديها ويسمعه من كل
كلماتها ويراه في كل حركاتها فينشأ جيلٌ قد تخلّص من التبعية ليكون قائداً ،
ومن الذلة ليكون عزيزاً ، ، ومن الضعف ليكون قوياً .. وهنا المعادلة
الصعبة .
إن التغيرات في الأمم لا تأتي
في يومٍ ولا يومين ، ولا في سنةٍ ولا سنتين .. إنها تأخذ مجراها ؛ فإن كان
في بيوتنا أمهاتٌ مربيات فمعنى ذلك أن في بيوتنا مصانع للأسلحة الذرية
والنووية في قوتها وأثرها ؛ لأن المرأة صانعة الأبطال ، ومربية الأجيال ،
فإذا أردنا أن نتقن معركتنا مع أعدائنا ، ومع واقع أمتنا ؛ فإن أول مفاتيح
هذه المعركة في الأم المربية .
لذلك إن أدركنا هذه الأهمية ،
واستشعرنا هذه الخطورة توجهنا التوجه الصحيح ، وأحسب أنني لو أردت أن أفيض
في هذا لكان من وراءه كلامٌ طويل ، ولكنني أعتقد أن هذا الإيجاز بمثابة ذلك
الجرس الذي يقرع ، والنور الأحمر الذي يرسل إضاءته المتقطعة ؛ ليشير إلى
أن هنا مكمن خطرٌ ، وموضع أهمية ، وأن هذا الموطن هو منعطف التغيير الحقيقي
كما قال مثل هذا الكاتب ، الذي ليس معنياً بشأن الإسلام والتربية
الإسلامية ، ولكنه يدرك أن التربية هي مفتاح التغيير الحقيقي ، وإلا لماذا
عني الأعداء بمهمة المرأة ، وكثر الحديث عنها خاصةً في هذه الأيام ؟!
النقطة الثانية : المتانة وصيانة الحماية
هل
نحن اليوم نتعرض لأمورٍ تناقض ديننا ؟ هل نحن اليوم نستمع إلى رسائل
ونشاهد مشاهد تعاكس تماماً ما يريده الله عز وجل منا ، وما دعانا إليه
رسولنا صلى الله عليه وسلم ؟ الجواب : نعم ! قد جاس الفساد في خلال الديار ،
قد دخلت القنوات والإذاعات والشبكات ، أين هي الحماية ؟ وأين هي الصيانة ؟
اغلق ، امنع ، صادر .. لا يمكن ! ولكن ربّي هذه الأم تستطيع بتوفيق الله -
عز وجل - وإخلاصها وأكمامها لهذه المهمة أن تنجز صمامات الأمان ، لقد كان
الفساد والإفساد موجوداً في كل زمانٍ ومكان ؛ حتى في عصر النبي صلى الله
عليه وسلم ، لكن التربية القوية تكسّرت عليها جميع سهام الأعداء ، ولم تفلح
!
أضرب لكم مثال : ألم يكن كعب بن
مالك رضي الله عنه يوم حصل ما حصل تخلفه في غزوة تبوك ، وأمر النبي صلى
الله عليه وسلم بمقاطعة الناس له ، وأصبح وحيداً ، وفي حالة نفسية ، ثم
جاءه من يغزوه من خارج ديار الإسلام .. جاءته رسالة من رئيس الدولة العظمى :
" قد علمنا أن صاحبك قلاك فالحق بنا نواسك " ، هذا بكل سهولة ينبغي أن
ينجذب ، وأن يمضي مع هذا التيار .. قاطعوني هجروني ، لا يكلمني أحد ، وهذه
دعوةٌ !
ماذا قال ؟ قال : " فعلمت أنها الفتنة " ، فأخذ الرسالة فسجّرها في التنور ..
إذاً الإغراء كان موجوداً لكن صلابة الإيمان ،وقوة التربية ، وإمكانية الصيانة والوقاية كانت عظيمةً جداً .
المرأة
مدرسة ، ووضع المرأة عنوان له ، سيجد صداه الاجتماعي الذي يمكّنه أن يكفل
طاقةً روحيةً واجتماعيةً تحصّن المرأة والرجل ضد مختلف الصدمات والاختناقات
التاريخية أمرٌ مهمٌ جداً ، ليس هناك إلا التربية صمام أمانٍ لأبنائنا
ولبيوتنا ولمجتمعاتنا بكل شيءٍ من غير أن نفيض في هذه التفاصيل .
النقطة الثالثة : التماسك وتكامل البناء
ما
هوا المجتمع ؟ هو مجموعة أفراده ، يحصل التماسك والتكامل من خلال اللبنة
الأولى وهي الأسرة ، ما دور المرأة بالأسرة ؟ هي الركيزة ، هي المحور الذي
له أثره البالغ ، ودوره العظيم في تماسك وبناء الأسرة ؛ لأن المرأة في
الحقيقة لا يقتصر دورها على تربية الأبناء ، بل في الحقيقة هي بلونٍ أو آخر
، وبشكلٍ أو آخر هي مربيةٌ وراعيةٌ للزوج ، ألست تأتي تعباً وتجد الراحة
عندها ؟! ألست تجد هموماً فتجد التسرية عندها ؟! ألست أحياناً تفضي بهمّك
بين يديها ، إنها صورةٌ من صور التأثير الإيجابي الذي إذا اتقنت المرأة
دورها أصبح تأثيرها ليس على الأطفال الصغار ، بل على الرجال الكبار ، وهذه
حقيقة ، فهي قد مارست دور التربية للأبناء ، ومهما كبر الأبناء يظلون في
نظر أمهاتهم أبناء ، وإن شاخوا وتقدموا في السنّ .
انظروا إلى
الدور الإسنادي ، والتكامل العظيم التي قامت به أم المؤمنين خديجة رضي الله
عنها عندما نزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم ، نعرف كيف جاء يرجف
فؤاده ، وتضطرب أظفاره لهذه المفاجئة العظيمة وهو يقول : " دثروني ثروني ،
زملوني زملوني " ماذا فعلت له أم المؤمنين ؟ امتثلت أمره ، وحققت مراده
وهدئت روعه ، وهيئت دثاره ، ثم لما هدأ روعه ، هل سألته فقالت له : الآن
أخبرني ما الذي جرى ؟ أعطني التفاصيل ؟ قدّم تقريراً مفصلاً عن ما جرى ..
كلا ! ولكنه أخبرها عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه كان يراها تلك الزوجة
العظيمة التي يعرف أنها تكون معه ، فماذا قالت له ؟
" كلا والله لا
يخزيك الله أبداً ! إنك لتصل الرحم ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين
على نوائب الحق ، ووالله لا يخزيك الله أبداً " .
انظر إلى هذا
الإسناد والدعم والعون والتثبيت ، هل اكتفت بذلك ؟ قالت : " امضِ بنا "
فذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ، وقالت له : " اسمع إلى ابن أخيك "
فيستمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول : " هذا والله الناموس الذي
جاء به موسى عليه السلام ، ليتني أكون فيها جذعاً عندما يخرجك قومك " فيقول
: أو مخرجي هم ؟! قال : ما جاء رجلٌ بمثل ما جئت به إلا أخرجه قومه .
ثم
تبقى خديجة رضي الله عنها سنداً عظيماً ، ومتكأً قوياً في رسول الله عليه
الصلاة والسلام .. وهكذا لو مضينا لوجدنا ذلك إذاً الدور العظيم لهذه
المرأة في هذه التربية له أعظم الأهمية وأكبر الخطورة .
وإذا مضينا في ومضاتٍ ثلاثة أخرى ؛ لنقول : انظروا إلى هذه المعاني
أولاً : الفطرة أن المرأة مجبولةٌ على هذا المعنى التربوي
المرأة
حتى التي اليوم أخرجوها لتلاكم وتصبح ملاكمة في لحظات حياتها المعتادة ،
تفيض عينها بكاءً ، ويرق قلبها حنيناً ، وتتدفق نفسها عطفاً طبيعةً فطريةً
في المرأة .. إن الرجل يبحث عن المرأة التي تعمر البيت بوجودها وحركتها
وعملها ، ولا يبحث عن المرأة التي تملئ المعامل والمصانع والمكاتب والشوارع
، وتخلف وراءها بيتاً يفترسه الفراغ والفساد بوسائله المباشرة وغير
المباشرة .
مسألةٌ مهمة عملت المرأة وأصبحت كما يقولون مساوية للرجل ، فهل صارت رجلاً ؟!
لا
أريد أن أفيض لكن امرأةٌ في منصب رئيسة دولة ، وهذا قريب ما زال لم يمضي
على هذا حتى عشرة سنوات ، ولا تزال هذه المرأة رئيسةً لهذه الدولة حصلت
محاولاتٌ من محاولات العسكريين للإخلال بالأمن أو انقلاب ، واتصل برئيسة
الدولة وزير الدفاع يخبرها بذلك ، فتقول هي : لم أستطع أن أخرج للتو وأن
أباشر بالمهمة حتى تزينت ولبست أحسن ملابسي !!
هل يمكن أن تخرج المرأة دون أن تراعي هذه الجوانب ، وهل يصلح هذا ؟!
مسألةٌ ثانية : ما هو البديل ؟
هل
نستطيع أن نوجد البدائل في بعض الأحيان ؟ نعم لو كانت عندنا سكرتيرة تطبع
الكمبيوتر فليوجد رجل يطبع الكمبيوتر أم لا ؟ لكن إذا لم يكن لنا أمٌ في
البيت هل سنستطيع أن نستقدم رجلاً ليكون أماً ؟ يحمل ويلد ويرضع ويربي ؟ هل
بقي أحدكم يوماً مع طفله الرضيع نصف نهار دون أن يشدّ شعر رأسه ، ودون أن
يصيح ويدعو بالثبور وعظائم الأمور ؟ لا يمكن !!
يمكن أن نوجد بدائل لكل الحاجات
الأخرى ؛ لكننا لا يمكن أن نوجد بديلاً عن الأم وعن المرأة في دورها ، لست
من أقول هذا ولكن الفطرة تقوله .
وهذه زوجة رجلٍ من رواد الفضاء
الأمريكيين القدماء ، كانت ربة بيت لم تعمل ، تقول : " أنا مسرورةٌ جداً من
بقائي في البيت إلى جانب زوجي وأطفالي ؛ حتى في الأيام العصيبة التي كنا
في حاجةٍ إلى المال لم يطلب زوجي مني أن أعمل ، وكانت فلسفته أننا نستطيع
أن نتدبر حاجاتنا الضرورية - أي بدلاً من أن نأكل رز ولحم نأكل عيش وملح -
ولكننا لا نستطيع أن نربي أبناءنا إذا أفلت الزمام من أيدينا " ، أي إذا
أخرجناها وتركنا مهمتها سوف يكون خللٌ يصعب تداركه ، لكن أيام عصيبة تمر
يقلّ فيها المال ، يقلّ فيها الطعام ثم تنفرج من بعد ، ولن تكون هناك مشكلة
.
هذه ومضة : في الأهمية
كما قلت وقدمت : الهجوم الشرس الكاسح
اليوم ليس هو في احتلال الأراضي ، وليس هو في الأسلحة الذرية .. والله إنه
في مجال المرأة والأسرة لأعظم وأخطر ، وأنا أقول لكم : خذوا المؤتمرات
الدولية التي رعتها وحرصت عليها والتفتت إليها الأمم المتحدة من القاهرة
إلى بكين إلى كوبٍ هاجن .. إلى وإلى وإلى .. وانظروا ماذا تدور عليه ؟
وانظروا إلى الدول الكبرى - اليوم - ماذا تقول ؟ وعلى أي شيءٍ تربط
مساعداتها ؟
أيها الإخوة : أكبر دولة عربية تأتيها المساعدات الأجنبية
من أكبر دولةٍ في العالم مشروطةٌ ببرنامج هو على رأس الأولويات وهو " تنظيم
الأسرة " ، وفي الحقيقة هو تحجيب الأسرة ، أو هو تضييع الأسرة ، ويأتي
إليه الخبراء وتربط المساعدات بالنجاح في هذه المهمة بماذا ؟ أريد أن أقول
لكم كتاب أمريكي صادرٌ في عام 2001 اسمه باللغة الإنجليزية " ذديف أفذوس " [
موت الغرب ] يقول الكاتب فيه : " نحن أمةٌ مقضيٌ عليها بالفناء الحقيقي
بدون أدنى سببٍ من أعدائها ؛ لأن أعداد النعوش في تسعة عشر دولةً أوروبيةٍ
وأمريكيةٍ أكثر من عدد المهود - أي عدد الأموات أكثر من عدد المواليد - ثم
قدّم إحصائيةً رقميةً بهذه الدول ، وأنها لو تركت وحدها سوف تنتهي .
اليوم عندهم مشكلةٌ كبرى : جيلٌ من الصغار ، وجيلٌ من الكبار .. ليس هناك جيل الشباب !
نسبة
الشباب خمسة وستين في المائة من عدد السكان في المملكة والخليج .. هذه
ثروة ، هذه قوة ، هذه نتاج ؛ لأن المصانع لايشغلها إلا البشر ؛ لأن
التقنيات لا يديرها إلا البشر ؛ لأن العلوم لا يطورها إلا البشر .. إذا
أنتجنا الإنسان استطعنا أن نغير الحياة كلها بإذن الله عز وجل ، هذه مسألةٌ
مهمة .
أنتقل إلى المحطة الثالثة : لماذا المرأة في التربية ؟
نعم الرجل مسئولٌ مسؤوليةً كبيرةً في التربية ، لكن دعونا نقول :
مزايا المرأة
أولاً : الخصائص النفسية الفطرية التي فطرها الله عز وجل عليها
عطفٌ
وحنان صبرٌ واحتمال ، واللهِ إن يوماً واحداً - كما قلت - مع رضيعٍ يمكن
أن يشيب له هول رأس الرجل ، وهذه المرأة قد يكون عندها اثنان وثلاثة ، هذا
رضيع ، وهذا يحبو ، وهذا يمشي وهي لو زدتها حتى من أبناء الجيران - كما
يحصل بين الجارات ، أو تأتي ابنتها وقد ولدت وتعطيها بعض أبناءها لأنها ما
زالت تدرس - ليس هناك مشكلة .. الصدر رحب ، والحنان فياض ، والعاطفة متدفقة
، والحب لا يضيق .. هكذا خلقها الله عز وجل ، أليس النبي صلى الله عليه
وسلم ضرب المثل بالمرأة في هذا المعنى ؛ لما أراد أن يلفت نظر الصحابة قال :
أترون هذه ملقيةً بولدها في النار ؟ قالوا : يا رسول الله هي أرحم به من
ذلك !
قطعاً الرجل فيه عاطفة ، لكن فيه شدة ، فيه قسوة ، طبيعته كذلك ؛
لأنه خلقة الله حتى يواجه المخاطر خارج المنزل ، وتلك حتى تغلّف البيت
بأجواء المحبة ، وتعطّره بأريج الحنان ، وتوزع فيه زهور ورياحين الهدوء
والطمأنينة والسكينة ، فإذا خرجناها إلى الصحراء فقدنا هذه الزهور
والرياحين ، والرجل بقسوته وشدة ما يلقاه يجد شدةً هنا ، وتتفجر البيوت
بهذه القنابل الانشطارية ، التي نراها اليوم في واقع مجتمعاتنا وللأسف
الشديد .
تعرفون قصة سليمان – عليه السلام - لما اختصمت المرأتان في الولد ، فماذا قال ؟
قال
: نقسمه نصفين كل واحدة تأخذ نصف ، فلما أراد أن يفعل صاحت إحداهما :
اتركته لها ! فهل يعني أنها اعترفت أنها ليست أمه ؟ كلا ! لقد أظهرت أظهر
الأدلة على أنها أمة ؛ لأنها خافت عليه ، ولسان حالها : يبقى حياً ولو
بعيداً عني ! وتلك لم يكن يعنيها شيء ؛ لأنه ليس ابنها ..
هذا المعنى مهم جداً لأن ندركه .
لن
نستطيع أن نربي الأبناء - وخاصةً في مرحلة الصغر - دون أن تكون عندنا هذه
الأم المتدفقة بالحنان ، الممتلئة بالصبر ، والقدرة على الاحتمال ، نعم !
ليس عندها قدرة والصبر والاحتمال مثل الرجل في جوانب أخرى من الحياة ، لا
تستطيع المرأة أن تجادلك وتدخل معك في مفاوضات الحساب والشراء والبيع ولذلك
أسهل شيء أن تبيع للمرأة لكن الرجل يطلّع عيونك وما يشتري شيء .. هذه
طبيعة أرادها الله عز وجل في طبيعة الرجل ، وفي طبيعة المرأة ؛ ليكمّل
أحدهما الآخر ، وليكون بهما كمال سعادة الحياة ، وهذا لا يكون بغيره .
الأمر الثاني : طبيعة الاستقرار في المرأة
الله عز وجل قد قال : { ألم نخلقكم من ماسٍ مهين فجعلناه في قرارٍ مكين } رحم المرأة أصلاً هذا تستقر فيه وتحتضنه تسعة أشهر ..
المرأة من طبيعتها الاستقرار ، المرأة تمكث في البيت كم ساعة ؟
الرجل
وخاصةً الذين يعملون في الأعمال الحرة - وكذا في يوم الإجازة - بعض الناس
في ثاني يوم في العيد يجلس في بيته ، ثم يخرج ويذهب إلى فتح الدكان ؛ لا
يستطيع أن يبقى لأن من طبيعته الحركة والانتقال وتغير الأحوال ..
أما المرأة فتسطيع أن تجلس في بيتها كل يومها لأنها جبلت هكذا .. الله عز وجل خلقها لتكون مستقر تستقر ويستقر بها .
الرجل أين يستقر؟ عند زوجته .. الأبناء أين يستقرون ؟ عند أمهم .. البيت كله أين يستقر ؟ وكيف يستقر ؟ بوجود المرأة .
طبيعة استقرار مهمة جداً للتربية وللمجتمع وللحياة كلها ؛ ولو رأيتم هذا طبيعة ظاهرة حتى في جنس الحيوانات في الجملة .
الأمر الثالث : القرب والملابسة
من أقرب إلى الأبناء ؟ ومن الأقرب إلى الرجل وهو الزوج ؟
المرأة
بطبيعتها هذه في العاطفة ، وفي الاستقرار تستطيع أن تطّلع من أحوال
الأبناء والبنات ما لا يطلع عليه أليس كذلك ؟ أليس الصغار إذا كانت عندهم
مشكلة قالوا للأم وقالوا لها لا تخبرين أبي !!
ومن طبيعتها – كذلك - المساعدة .. من الذي يغسل الملابس ؟ الأم من طبيعتها تستطيع أن تعرف من الملابس .
من
الذي يهيئ الأبناء للمدرسة ؟ الأم تعرف ما الذي يجري من أبناءها ؛ لأن
الأب مشغول يخرج إلى العمل ، وساعات مقامه في البيت قليلة ، فلا يكتشف ولا
يقترب ، ولا يعرف ذلك دور المرأة أن توصل له ، وأن تعرفه ، وأن تستعين به
بعد الله عز وجل في معالجة الأمور ، لكن إذا كان الرجل بطبيعته مشغولاً
وأشغلنا المرأة أين يفضي الأبناء بهموهم ؟ وأين يجدون جواب سؤالهم ؟ وكيف
يستطيعون أن يكتسبوا تجارب الحياة ؟ من يكون قريباً منهم حتى يستطيعوا -
بالفعل - أن يجدوا الصدر الرحب ، وأن يجدوا العقل المفكر ، وأن يجدوا
الموجه المرشد خاصةً في سن الصغر ؟
بل حتى في سن الكبر الآن نجد
الابن في المتوسطة أو الثانوية أحياناً يفضي بسرّه إلى أمه ؛ لأنه يراها
أقرب إليه وأعطف عليه ، ويخشى من أبيه .. إذاً هذه مزايا كلها تجعلنا نقول :
هذه المرأة هي الأصلح للتربية - ليس في سن الصغر بل في جملة المراحل -
دورها لا يستغنى عنه .
ولذلك لاحظوا إذا ماتت زوجة
الرجل التمس زوجةً فوراً ، وإذا مات زوج المرأة استطاعت أحياناً - إن لم
يتيسر لها الزواج - أن ترعى أبناءها !
صحيح أنها بحاجة إلى الزوج ؛ حتى يكمّل الدور ، لكن دور المرأة مع أبنائها ليس مثل الرجل لو بقي وحده مع أبناءه ، وهذا أمرٌ واضح .
سأضرب لكم ذلك بالأمثلة الحقيقية الواقعية :
جابر
بن عبدالله - رضي الله عنه - تزوج بعد أحد بقليل ، فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم لما عليه من أثر التزين : مهين - أي ماذا ؟ - قال : تزوجت يا
رسول الله ، قال : بكراً أم ثيباً ؟! قال : بل ثيباً يا رسول الله ، قال :
فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك ؟ قال : يا رسول الله إن أبا جابرٌ - يقصد أبوه
عبد الله - ترك لي تسعة بنات ، فأردت أن لا آتي بمثلهن ، وأردت امرأةً
تقوم عليهن وتصلحهن .
إذاً رأى أنه لا يستطيع أن يقوم بالدور ؛ فاحتاج إلى الزوجة لتربي له أخواته ، وتقوم بشأنه .. فكيف بأبنائهم ؟!
وخذوا مثالاً آخر :
يقول أحد
العلماء لابنه يخاطبه : سبحانك تفعل ما تشاء ، كان الأوزاعي - والأوزاعي
إمام أهل الشام ، وهو صاحب مذهبٍ من المذاهب الفقهية المعتبرة مثل الإمام
أحمد ، ومثل الشافعي ، لكن اشتهرت المذاهب الأربعة ولم يشتهر مذهبه ومذهب
غيره من الأئمة كليث بن سعد ، وكجرير الطبري وغيرهم -
يتيماً فقيراً في
حجر أمه ، تنتقل به من بلدٍ إلى بلد ، وقد جرى حكمك فيه حتى بلغته ما رأيت
- أي حتى أصبح هذا العالم الكبير - يا بني عجز الملوك أن تؤدب نفسها
وأبناءها بمثل ما أدب الأوزاعي نفسه ! أي بعد فضل الله عز وجل بمساعدة أمه
..
وكذلكم قصة ربيعة الرأي - شيخ
الإمام مالك - الذي ذهب والده إلى الجهاد ، فإذا أمه تنفق عليه المال ،
وتربّيه وتعلمه وتنشئه ؛ فإذا به إمامٌ عظيمٌ ، وهو شيخ شيوخ مسجد رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فعجب به والده بذلك وفرح .
بل سفيان الثوري - إمام
التابعين في بلاد العراق وفي الكوفة - كانت أمه تقول له : " يا بني امضِ
لطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي " ، تغزل وتبيع وتربي وتنتج ، وتخرج العلماء
والأبطال .. هذا هو التحدي - الذي قلناه - هذه هي الطبيعة التي للمرأة ،
تستطيع المرأة أن تقوم بدور الرجل - وإن نقص - بكفاءةٍ أعلى من قيام الرجل
لدوره لولم تكن المرأة موجودة .
أنا أريد أن تستشعروا ذلك حقيقةً ، وأن تذكروا فضل الأمهات - وهذا معروف - لكن أيضاً أن تذكروا فضل الزوجات وأنا أقول للجميع :
اجعل
في سجودك دعاءً دائماً لزوجتك ؛ لأن فضلها وأجرها وأثرها عليك وعلى أبنائك
أعظم من أن تستطيع توفيته ، فادعو الله أن يجزيها لأنك لا تستطيع أن
تجزيها ، وهذا أمر مهم .
نحن ننظر إلى الزوجات فقط من
جهة " ماذا أعدت من طعام ؟ " ماذا فعلت في البيت ؟ " " ماذا هيأت للزوج من
متعة ؟ " دون أن نلتفت إلى المهمة الحقيقية الكبرى !
أنت تخرج ولا تلتفت
، وتنشغل ولا تعتني من الذي خلفك في بيتك ؟ من الذي حصّن أبناءك ؟ من الذي
حفظ - بإذن الله عز وجل – بيتك ؟ أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (
والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها " هذه مسألةٌ مهمة .
اعتقد
أننا أجبنا إلى حدٍ ما لماذا للمرأة وقبل ذلك أضننا اعتنقنا بأهمية وخطورة
دور المرأة في التربية هل توافقونني حتى أمضي في موضوعي وحديثي أم أنني
أخاطب نفسي ولا أدري عنكم شيئاً
سننتقل إلى نقطة مهمة جداً ما هي هذه
النقطة المهمة ؟ الآن وقد عرفنا أهمية هذا الدور ، وعرفنا خصيصة المرأة فيه
.. ما هي النقطة المهمة التي لا بد أن يتركز حديثنا عنها ؟
كيف السبيل إلى هذه المرأة المربية ؟
هذه
قضيةٌ مهمة .. إذا قلنا هي صمام الأمان ، وإذا قلنا هي أقوى من الأسلحة
الذرية ،نحن عندنا أسلحة ذرية في البيوت ، فليأتي من يفتّش لن يجد شيئاً ،
ولكن سنفجّرها في كل الدنيا تفجيراتٍ حسنة تعمّ بالخير والهدى والتقى
والصلاح والإصلاح وعمران الدنيا بالجيل المؤمن المسلم الذي يتربى في حلس
وقعر البيوت على أيدي المربيات الأمهات الفاضلات الزوجات الصالحات القانتات
العابدات .
كيف السبيل إليها ؟
سنتحدث في شقين : سبلٌ عامة ، وسبلٌ خاصة بالمرأة
أولاً السبل العامة : تربية البنات
ما معنى تربية البنات ليكنّ أمهات ؟
نحن اليوم يغلب على الناس كأننا نربي البنات ليكن موظفات .. علمها في الجامعة هذا هو الأهم !
لا
أقول : لن نعلّم البنات ! لكن لا أجعل من علمها في الجامعة وسيلة للكسب ..
أين دورها مع زوجها ؟ أين المهارات في تربية أبنائها ؟ أين حرص الآباء على
ذلك في بناتهم ؛ فضلاً عن حرص الأمهات في ذلك في بناتهم ؛ حتى اليوم كنت
أتحدث مع أحد الإخوة يخبرني أن زوجته حملت ، وأنه قد اضطر أن يعمل عملية
للربط ؛ حتى يبقى الجنين ! فقلت له بالأسلوب الفكاهي : بنات اليوم بضاعة
تايون تقليد ، فقال : صحيح !
بمعنى - أنك بالفعل - اليوم تجد البنت تتزوج .. ومع أول تصرخ عشر صرخات .. لماذا ؟ لأنه ليس هناك إعداد .
أول قضية هي : كيف ننشئ البنت لتكون أماً مربية ؟
لا بد أن نقول لها : " إن المهمة العظيمة ، والغاية السامية التي فيها دوركِ الرائد ، وأثركِ الكبير هو أن تكوني أماً " .
ولو
أردنا أن نستقصي لوجدنا بعض الشهيرات من المغنيات والثريات من الذين ليسوا
من أهل الإسلام ، وبعد دهرٍ طويل تقول : أتمنى لو أنني أنجبت في حياتي
مولوداً واحداً ؛ لأكون أمّاً !
المسألة الثانية مهمة جداً وخطيرة جداً وهي : مناهج التعليم
في
كثير من البلاد ندرّس البنات هندسة البترول ؛ لتذهب وتكون في الحقل
البترولي الذي يكون في الصحراء أو في أعماق البحار أو كذا ولا ندرسها في
مناهج التعليم كيف تعرف الطفل ومراحل عمره وتربيته ؟ كيف تدير أسرتها ؟
التخصصات قليلة ؛ حتى لو أردت أن أسردها :
ليس
عندنا في جملة التعليم إلا تخصص التربية الإسلامية ، أو تخصص ما يسمى في
التربية الخاصة الذي يتعامل مع المعاقين وذوي الحاجات الخاصة .. عندنا ما
يسمى بالاقتصاد المنزلي تخصص جيد للنساء لكن يركز على فنون الطبخ ، وفنون
الخياطة ، وفنون الديكور ، ولا يظم إليه بالقدر نفسه والعناية والأهمية
نفسها فنون التربية ، وفنون التنشئة ، وفنون معرفة سياسة ورعاية وفهم
نفسيات الأطفال وغير ذلك ..
ثالثاً : وسائل الإعلام
وما أدراك ما وسائل الإعلام ! لو أنها تعمل في المجال الصحيح والله لكان من ورائها خيرٌ عظيم !
عندنا
نساء أمهات مربيات في البيوت ، فجاء الإعلام فقال لهن :" أنتن قعيدات
البيوت ! أنتن على هامش الحياة ! أنتن لا قيمة لكنّ ! أنتن سقطٌ في المتاع !
أنتِ مثل الكنبة ! وأنتِ مثل الفرش لا قيمة لكِ .. " ؛ حتى تتمرد على
أمومتها ، وتتخلى عن تربيتها .. في الجملة وسائل الإعلام اليوم تفسد أكثر
مما تصلح .
ولذلك إذا جاءت وسيلةٌ إعلامية نظيفة ، ومعتنية بالأهداف
والغايات السامية ، فأقول : لها دورٌ وعظيم لماذا ؟ لأن المرأة أيضاً في
جملة الحال وقتها في بيتها كبير ، فقد ترى من البرامج المفيدة والنافعة ،
وتستمع وتشاهد وتتابع ما يعود عليها بالنفع والفائدة ، ولذلك سلوا الأمهات
فإنهن أعرف بالبرامج ومواقيتها من الرجال في الجموع .
أسافر أحياناً في
بعض الدورات .. كنا مرةً في دول اسكندنافية في أقصى شمال الدنيا ، فوجدت
أن البيوت المسلمة هناك في الدول - مثل السويد - ما تصدقون أنهم ينتظرون
برامج بعض القنوات التي تقدّم برامج جيدة ، وهي مكتوبة ومعلقة عندهم في
بيوتهم ؛ لأنها تعتبر وجبتهم الرئيسة .. ما عندهم دروس ومحاضرات وأشرطة
كثيرة ، فيستقبلون هذه القنوات التي تبثّ من بلادٍ مختلفة ، ويحرصون عليها
بل في بعض البلاد العربية التي فتك فيها التغريب فتكاً عظيمًا .. أكثر قناة
مشاهدة في بلد هي قناة إسلامية وطيبة رغم أن هذه البلاد كل قنواتها ، وكل
مناهجها التعليمية ، وكل أنظمتها الرسمية - بل وكل قوانينها - تعارض
الإسلام وتخالفه ؛ خاصةً في شئون المرأة .
إذاً الإعلام قضية خطيرة ،
ولذلك من ينفق لبناء مسجد ربما لو أنفق لإعداد برنامجٍ تربويٍ للأسرة
المسلمة ، ربما كان أجره وخيره أثره ربما في بعض الأحيان أكثر من المسجد ،
وهذه مسألةٌ مهمة .
الرابع : المحاضن الدعوية
نحن
نوجه الدعوة لرجال والشباب والمخيمات الشبابية وكذا وقليلٌ منها هو حظ
المرأة ونقول : المرأة لا شأن لها بالدعوة .. سبحان الله ! كيف ستأتي
المرأة الداعية ؟ وكيف ستكون عندي في بيتي زوجةٌ تعتني بالتربية ، وتهتم
بالدعوة ما لم تكن هناك أنشطةٌ دعويةٌ ، وبرامج دعوية للنساء ؛ حتى تكون
عندها من الدعوة والمعرفة بهذا ما هي في أمسّ الحاجة إليه لدورها التربوي .
ولذلك
أقول للأزواج : بعض الرجال تريد زوجته أن تذهب إلى درس من الدروس فيقول
لها : أنا مشغول ! كيف تريد أن يكون لها دور إيجابي ، وأنت لا تعطيها
الفرصة وأن تسمع إلى الدرس العلمي ، والمحاضرة ، وإلى التذكرة ، ولا تأتي
لها الكتاب ، ولا توفّر المكتبة في البيت ، ولا توفر الأشرطة ! مسألةٌ
أيضاً مهمة .
ومثل ذلك أيضاً وهو في آخر نقطة في الوسائل العامة : المؤسسات الاجتماعية
كثير
من جمعيات النسائية تعنى بالطبق الخيري ، تعنى بإعداد عروض الأزياء ؛
لكنها العناية بتكثيف برامج الدورة ، وتعنى بالكمبيوتر ، وليس في هذا
اعتراض ، لكن نريد عنايةً مثله أو أكثر في الجانب التربوي ، كيف تعتني
بزوجها ؟ كيف تربي أبناءها ؟
التربية علم يدرّس اليوم ،
وتؤخذ فيه شهادات الدكتوراه ، وهناك جامعات عريقة ، وكليات أصيلة ليس لها
تخصص إلا التربية ، ليست التربية قضية - كما قلنا - عارضة ! نأتي بأي خادمة
من آسيا وأفريقيا ونقول هي : " المربية " .. يقولون : هذه مربية الأبناء
.. مربية الأبناء ولسانها أعجمي لا تعرف لغتهم ! مربية الأبناء لا تعرف
تاريخهم ولا حضارتهم !
هذه ليست تربية .. هذا نوع من السفه والتضييع والإجرام في حق الأبناء .
ثم أتوجه إلى نقطةٍ ثانية وهي : الوسائل والأمور
وهي قريبة من التي سبقها ، لكنا نوجهها إلى المرأة مباشرةً نقول : سيدتي المربية أولاً : احملي الهمّ
لا
بد أن تدرك المرأة أهمية الدور التربوي ، الذي تقوم به على نحوٍ مما
أوجزنا القول فيه ،ووضحناه .. لا بد من ذلك حتى تحمل الهم وتدرك المسالة .
ثانياً : اعرفي القدر أي قدر وقيمة هذا الدور
أيها الإخوة :
إن الأثر
الاجتماعي والتربوي - بل والاقتصادي - الذي تقوم به المرأة وهو : تربي
أبناءها أكبر وأفضل وأكثر فائدةً من أدوار كثيرٍ من النساء اللائي يعملن
هنا أو هناك ، ولا أقول المرأة غير مرغوبٍ فيها ، لكن أقول : العمل الأساسي
هنا مهم ؛ حتى من الناحية الاقتصادية .. المرأة إذا بقيت في البيت استطاعت
في تدبير المال وحفظه ، وحسن تصريفه أن توفر - وكما يقولون - القصة
المشهورة
أن رجلاً كان تاجر ذهب ، وكان دائماً يأتي لزوجته ببعض بضاعته
، ويأخذها في المرة الثانية ، فكانت تحتفظ بجزء من الذهب ، وكان دائماً ما
يأتي فرحاً وهو يكسب ، فجاء مرة وقد خسر خسارة كبيرة - وتعرفون هذه
التجارات - فجاء مهموما ، فقالت له : لا تخشى شيئاً .. قد كنت آخذ من
أرباحك وفتحت له ، فإذا به يجد من الذهب ما يعتبره رأس مال ، يستأنف به ..
المرأة أحياناً تستحي لو قيل
لها : " ما هو عملكِ ؟ " إذا لم كان عندها وظيفة ، تستحي من كلمة " ربة بيت
" ، كلا ! هذه المهمة هي الأصل والأساس ، المرأة تعمل ولكن بقدرٍ من الوقت
، وإلى سنّ معين ، وتراعي ما تقوم به في هذه المهمة .
نقول أيضاً : تزودي في العلم
لا
بد المرأة المسلمة أن تحرص على الشرعي ، تستمع إلى الأشرطة ، تحضر
المحاضرات ، تأخذ الدروس .. لو استطاعت أن تدرس في كلية شرعية تستطيع أن
تعلم أبناءها التوحيد ، والفقه في بعض المسائل في نعومة أظفارهم في
البدايات المهمة .. هذه مسألة مهمة .
وكذلك نقول : تعلمي تربية
نفسية الأطفال ، حاجات الأطفال ، كيف يفكر الأطفال ، علاج العناد عند
الأطفال ، كيف يمكن أن نجيب على الأسئلة المحرجة للأطفال ... هذه أبواب
مهمة جداً ، لا بد أن تحرص عليها .
ثم نقول : تدربي وتدربي ، هناك دورات
تدريبية .. تدربي وتدربي هناك دورات تأهيلية للنساء في معاملة الأزواج ،
في تربية الأبناء ، في علاج المشكلات .. تأخذ المرأة بهذا قدر استطاعتها ؛
حتى تنتج وتنجز بقدر المستطاع .
انظروا إلى كثيرٍ من البيوت كم عند
المرأة من كتب الطبخ ، وكم عندها من كتب التربية .. ابحثوا هذا اليوم إذا
رجعتم إلى البيوت ، فتشوا اعملوا لجنة تفتيشية ستجدوا هناك الطبخ الشرقي ،
والطبخ الغربي والصيني والإيطالي ، ولن تجد في التربية شيئاً يوازي ذلك !!
أيضاً
اللقاءات العائلية التي تتم بين النساء ماذا يتبادلن ؟ " ما لبست تلك في
ذلك الزواج .. وماذا لبست هذه في تلك المناسبة .. " ، لماذا لا يتبادلن : "
ماذا فعلت مع ابنكِ .. رأيت ابنكِ له خلق جيد .. رأيته يحفظ القرآن ..
ماذا عملتي .. كيف تعملين إذا أزعجكِ ابنكِ .. كيف تتعاملين معه .. " لماذا
لا يقولن هذه التجارب ؟ لماذا لا تقرأ المرأة عن تجارب الأمهات العظيمات
اللآئي أنجبن القواد العظام العلماء الكبار ..كيف كانت تربية هذا العالم
وذلك القائد .. كلهم كانت لهم أمهات .. فلتقرأ المرأة حتى تكتسب هذه الخبرة
..
أقول : هذه مسألةٌ مهمة نحتاج
إليها بقدرٍ كبير ، وأحسب أني قد أوجزت ما أردت فما سأزيده بعد ذلك إن لم
يكن عندكم سؤال هو مزيدٌ في أمورٍ تحتاج إلى تفصيلٍ أكثر .. نسأل الله عز
وجل لنا ولكم السداد
أريد أن أرجع إلى ذكر الهدفين الأساسيين الذين ذكرتهما في البداية :
الهدف الأول : هو استشعار أهمية المرأة المربية أو دور المرأة في التربية
والثاني : معرفة الطريق والوصول إلى المرأة المربية .
قد
أسلفت أني أريد أن نصل إلى هذين الهدفين ، وفي ظني أننا حققنا ذلك الهدف ،
فقد وقفنا وقفاتٍ متأنية مع بيان هذه الأهمية والخطورة - ليس على مستوى
البيت الواحد ولا المجتمع ؛ بل على مستوى الأمة ، وليس على مستوى البناء بل
على مستوى المواجه والتحدي للأعداء - وكذلكم رأينا بعضاً من الوسائل
والطرائق والنصائح ، التي تأخذ بها المرأة ويحرص عليها المجتمع ؛ لنخرج
الأم المربية ذات الدور الرائد
هنا إضافات كما قلت هي موضوعاتٌ مستقلة
لكن رغبةً في إكمال شيءٍ من الفائدة أذكر مثل هذا القول بإيجاز وهو بعض
الإضاءات حول التربية ، أو دور المرأة في التربية مباشرةً .
سأذكر قواعد عامة ، ثم مجالات متنوعة للتربية ، ثم في آخر الأمر سنقرع أجراس الإنذار ..
أما القواعد العامة فأوصي المرأة فيها بالنظام والتنظيم :
أولاً
: لا بد للمرأة لكي تحسن هذه المهمة أن تكون منظمةً ؛ سواءً كان في وقتها
.. سواءً في ترتيب أولوياتها .. سواءً في تنظيم بيتها ؛ حتى تتهيأ الأجواء
مادياً ومعنوياً للزوج والأبناء بما يساعدها على حسن أداء دورها وتربيتها .
العنصر الثاني : الاستغلال والاستثمار
لا
بد أن تكون ذكيةً فطنةً حاذقة ، لا تجد فرصةً من الوقت إلا استغلتها ، لا
تجد حدثاً من الأحداث إلا حوّلته إلى التربية .. هذا الشيخ أحمد ياسين
يُستشهد تلفت نظر الأبناء مباشرةً ، تكون مستثمرة للحدث .. هذا رجلٌ قعيد
استطاع أن يؤدي دوراً ، وأن يواجه عدواً ، وأن يمضي بإذن الله عز وجل إلى
الله شهيداً .. فيتحول كل شيء بالنسبة للأبناء إلى بناء مفاهيم تربوية ،
إلى نصائح وإرشادات .. حتى الجانب السلبي إذا جاء الابن بخلق أو بتصرف سيء
تقول له : انظر كيف كانت النتيجة لو أنك تستمر على هذا ؟ هكذا ستكون
النتيجة .. تنبه ! فيتحول كل شيء إلى الإثمار .. لماذا ؟ لأن عقلها منشغل
بأن تغرس نفوس الأبناء ، وتؤدي للزوج مقاماً حميداً مذكوراً مشكوراً في
البناء والقوة والتربية .
المسألة الثالثة وهي الركيزة المهمة : التفاهم والتعاون مع الزوج
لأن
المرأة أحياناً تستقلّ بنفسها ، وهذا طبعاً ليس عيبها ، وليس مسئوليتها
وحدها هي مسؤولية الأزواج كذلك .. الزوج يريد أن يأتي ليكون حاكماً بأمره
دون أن يسأل زوجته لماذا يفعل ذلك ؟ قد يكون لها حكمة ! اسألها حتى تراعي
ما صنعته ، لكن من مهمة المرأة أيضاً أن تتفاهم مع زوجها وتتعاون معه ،
تقول له : أنا أفعل كذا وكذا ، الأبناء لديهم كذا وكذا ، نريد أن نتعاون في
كذا وكذا .. لماذا بعضنا - وأنا أقول هذا عن نفسي وعن غيري - عنده علم ،
وعنده بعض الخبرة والتجربة يفيض بها على الآخرين ، ويعمل درساً هنا ودرساً
هناك ، ومحاضرةٌ هنا ومحاضرةٌ هناك ، لكن أين درسه في بيته ؟ أين محاضرته
لأبنائه ؟ أين وعظه لزوجته ؟ أين تذكيره لأسرته ؟ مسائل كثيرة لا بد أن
يكون هناك تكامل وتعاون ، والمرأة بحكمتها وعاطفتها تستطيع بإذن الله عز
وجل أن تحقق هذا ..
أما بالنسبة للأبناء ومجالات التربية فهي كثيرة :
أجلّها وأهمّها : التربية الإيمانية
أن
تغرس في نفس الطفل منذ صغره التعلق بالله ، والارتباط به ، والالتجاء إليه
، والخوف منه ، والحياء منه ؛ لأن من شبّ على شيءٍ شاب عليه
والنفس كالطفل إن تتركه شبّ على **** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
هذه
مسألة التربية الإيمانية مسألة مهمة ..استخدام الأسماء الحسنى والتعريف
بمعانيها ، وأثرها في حياة الإنسان الصغير ، إذا قال قولاً فلتقل له الأم :
إن الله يسمع كل شيء فهو يسمع قولك هذا .. فإذا كان القول حسناً قالت : إن
الله يسمع قولك ويرضى عنك ويأجرك ، ويكون لك إن شاء الله خيرٌ في حياتك ،
وإن كانت الأخرى نبهته إن الله عز وجل بصيرٌ يرى كل شيءٍ في الوجود ، لا
تخفى عليه خافية ، تعلّمه ذلك بما يناسب سنه ، تمثّل له بما يتلاءم معه ..
التربية العبادية
والباب في
هذا واسع .. ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( علموا أبنائكم
الصلاة لسبع ) وهو ليس مكلفاً ؛ أي عودوه ، ربوه على ذلك .. هذه الربيع بنت
معوذ بن عفراء تقول : إن النبي عليه السلام أرسل في غداة عاشوراء ، قال :
من كان صائماً فليتم صومه ، ومن لم يكن صائماً فليمسك ، ثم صام الناس من
بعد ، فكنا نصومه ونصوّم أبناءنا وصبياننا .. ونخرج للمسجد فنأخذ معنا
العهن - أي كذا أشكال للألعاب - فإذا جاعوا أعطيناهم اللعب ؛ حتى يأتي
المغرب .. أي يعودونهم العبادة .
وأنتم ترون البنت الصغيرة إذا كانت
الأم محجبة تجد البنت تتحجب وهي صغيرة ، والحجاب يكون لها كنوع من الجمال
لماذا ؟ لأنها رأت الأم !
إذًا التربية العبادية والتعويد
عليها مهمة جداً ، وهي تنظم حياة الطفل من صغره وتغرس في نفسه هذا التعلق
بالروحانيات والعبادات المهمة .
[color:cfad=b